أولا: صورة المسألة
اعلم أنه لما كان التخصيص شديد الشبه
بالنسخ، لاشتراكهما في اختصاص الحكم ببعض ما يتناوله اللفظ، احتاج أئمة الأصول إلى
التفريق بينهما من وجوه[1].
وبناء عليه، فقد اختلفوا في تحديد هذه الوجوه إلى عدة أقوال، أوصلها الزركشي إلى
ثمانية عشر[2]، وزاد
الشوكاني وجهين فأتم عدتها إلى عشرين[3].
وقد رأينا في المسألة السابقة أقوال
العلماء في تعريف النسخ، وبناء على أن الأمر هنا لا يتعلق بالنسخ وحده، بل
بالتخصيص أيضا، ارتأينا أن نضع تعريفا موجزا للتخصيص، لكي نتلمس حقيقة الفرق
بينهما.
ثانيا: تعريف التخصيص
والتخصيص في اصطلاح الأصوليين: «هو
إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم، على تقدير عدم المخصِّص »[6].
قال الإمام:«التخصيص إفراد الشيء
بالذكر في اصطلاح الأصوليين، ...، واللفظ الخاص هو الذي ينبئ عن أمر يجوز إدراجه
مع غيره تحت لفظ آخر...» [7].
ثالثا: آراء العلماء في الفرق
بين النسخ والتخصيص
هناك أقوال وآراء كثيرة في وجوه
التفريق بين النسخ والتخصيص، سأكتفي منها بذكر رأي الإمامين دون غيرهما، لكثرة تلك
الوجوه وتشعبها، فمن أرادها فليتتبعها في مصادرها[8] فإنها
لا تخلو من فائدة.
أ – مذهب الباقلاني
قال القاضي:« النسخ رفع ما ثبت حكمه،
فأما التخصيص فإنه لا يتضمن رفع حكم ثابت في معلوم الله، ولكنه يتضمن تبيين اختصاص
اللفظ ببعض المسميات في ابتداء الموارد ...»[9]. وقال
الإمام في "البرهان":« أما القاضي فإنه يقول: التخصيص بيان المراد
باللفظ العام، والنسخ رفع الحكم بعد ثبوته»[10].
قال الزركشي:« ذكره القفال الشاشي
والعبادي في زياداته»[11].
قلت: وذكره أيضا الرازي في "المحصول"[12]،
والآمدي في "الإحكام"[13].
ب – رأي الإمام
ذهب الإمام إلى أن الفرق بينهما هو: أن
التخصيص بيان المراد باللفظ، والنسخ إظهار ما ينافي شرط استمرار الحكم الأول.
فالنسخ إذن حسب الجويني لا يتضمن رفع حكم ثابت[14].
رابعا: سبب الخلاف بين الإمامين
يرجع أصل الخلاف بين القاضي والإمام
إلى اختلافهما في تعريف النسخ كما رأينا في المسألة السابقة، فمن رأى أن النسخ رفع
للحكم بعد ثبوته، - وهو القاضي - جعله فارقا بينه وبين التخصيص، ومن لم يرى ذلك،
وقال: عن النسخ هو: بيان وإظهار ما ينافي
شرط استمرار ودوام الحكم، جعل ما قاله هو الفارق. فسبب الخلاف إذن هو تعريفهما
للنسخ.
[8] - أنظر العدة 3/797، وقواطع الأدلة 3/182،
والمستصفى 1/110، والمحصول 3/8، والإحكام للآمدي 3/140، والذخيرة 1/93، وشرح
التنقيح ص: 179، والإبهاج 2/120، والبحر المحيط 3/240، وإرشاد الفحول 2/630.
0 التعليقات: