إعلان أفقي

الأربعاء، 17 يوليو 2013

ترجمة إمام الحرمين الجويني

Posted by mounir  |  at  يوليو 17, 2013


ترجمة إمام الحرمين الجويني[1]

1 – سيرته
هو عبد الملك بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن حيويه الجويني النيسابوري، إمام الحرمين، أبو المعالي، ولَد الشيخ أبي محمد[2].
هو الإمام شيخ الإسلام، البحر الحبر، المدقق المحقق، النظَّار الأصولي، البليغ الفصيح الأديب، زينة المحققين، إمام الأئمة على الإطلاق، عجما وعربا، وصاحب الشهرة التي سارت السراة والحداة بها شرقا وغربا[3]، الفقيه الشافعي الملقب ضياء الدين، المعروف بإمام الحرمين، أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته، وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك[4].
ولد في ثامن عشر محرم سنة تسع عشرة وأربعمائة[5]،  واعتنى به والده من صغره، لا بل من قبل مولده.
وذلك أن أباه اكتسب من عمل يده مالا خالصا من الشبهة، اتصل به إلى والدته، فلما ولدته له حرص على أن لا يطعمه ما فيه شبهة، فلم يمازج باطنه إلا الحلال الخالص، حتى يحكى أنه تلجلج مرة في مجلس المناظرة، فقيل له : يا إمام، ما هذا الذي لم يعهد منك ؟
فقال: ما أراها إلا آثار بقايا المصة.
قيل: وما نبأ هذه المصة ؟
قال: إن أمي اشتغلت في طعام تطبخه لأبي، وأنا رضيع، فبكيت وكانت عندنا جارية مرضعة لجيراننا، فأرضعتني مصة أو مصتين، ودخل والدي، فأنكر ذلك، وقال : هذه الجارية ليست ملكنا، وليس لها أن تتصرف في لبنها، وأصحابها لم يأذنوا في ذلك، وقلبني وفوَّغني، حتى لم يدع في باطني شيئا إلا أخرجه، وهذه اللجلجة من بقايا تلك الآثار[6].
تفقه على والده فأتى على جميع مصنفاته[7]، وتوفي والده وله نحو عشرين سنة، فأقعده الأئمة في مكانه للتدريس[8]، إلى أن ظهر التعصب بين الفريقين – أي بين الأشاعرة والمعتزلة – واضطربت الأحوال[9]، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر ثم إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكُنْدُري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنَّك بهم، وتهذَّب، وشاع ذكره، ثم حج وجاور[10] أربع سنين يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب[11]، ولهذا قيل له إمام الحرمين[12]، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب[13]، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور[14]، وقد سلم إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلثمائة[15] رجل من الطلبة والأئمة وأولاد الصدور، وحصل له من القبول عند السلطان ما هو لائق بمنصبه بحيث لا يذكر غيره، والمقبول من انتمى إليه وقرأ عليه[16].
ثم قلد زعامة الأصحاب ورئاسة الطائفة، وفُوِّض إليه أمور الأوقاف[17]، وبقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع[18].
2 – مميزاته
اشتهر إمام الحرمين بعدة صفات وأخلاق ميزته عن غيره من كبار علماء عصره، وجعلته يرتقي تلك المكانة العالية التي شغلها بين أقرانه، والمرتبة الجليلة التي تبوَّأها بين أئمة زمانه.
وبعد تفكر وتدبر، ومطالعة لما دونته أقلام المترجمين له، ونظر فيما حملته عباراتهم، بالإضافة إلى ما احتوته مؤلفاته من دلائل وأمارات تدل الباحث على جوانب من شخصيته، ترجحت لدي مجموعة من المميزات يمكن إجمالها فيما يلي :
أ – خشيته وتواضعه، ب – نبذه للتقليد والدعوة إلى الاجتهاد، ج- شدته في النقد، د – ثقته في علمه ورأيه.

أ – خشيته وتواضعه
لقد عرف الجويني رحمه الله بتواضعه مع الصغير والكبير والعالم والمتعلم، مع خشيته ومراقبته لله عزوجل ؛ يقول الأسنوي في طبقاته : « وكان رحمه الله متواضعا جدا، بحيث يتخيل جليسه أنه يستهزئ به، رقيق القلب، بحيث يبكي إذا سمع بيتا أو تفكر في نفسه أو خاض في علوم الصوفية وأرباب الأحوال، ولم يكن يستصغر أحدا حتى يسمع كلامه، فإن أصاب استفاد منه وعزا الفائدة إليه وإن كان صغير السن»[19]، ونحوه كلام السبكي في طبقاته حيث قال هناك : « وإذا شرع في حكاية الأحوال وخاض في علوم الصوفية في فصول مجالسه بالغدوات أبكى الحاضرين ببكائه، وقطَّر الدماء من الجفون بزعقاته[20] ونعراته[21] وإشاراته، لاحتراقه في نفسه، وتحققه بما يجري من دقائق الأسرار»[22].
ومن مظاهر خشيته، ما سبق ذكره فيما مضى من سيرته في قصة رضاعه من مرضعة الجريان[23]، حيث علق السبكي على هذه القصة قائلا : « فانظر إلى هذا الأمر العجيب، وإلى هذا الرجل الغريب، الذي يحاسب نفسه على يسير جرى في زمن الصبا الذي لا تكليف فيه»[24].
ب – نبذه للتقليد والدعوة إلى الاجتهاد
عرف إمام الحرمين رحمه الله بنبذه  للتقليد وهجومه على المقلدة من متعصبة المذاهب، ويقابل ذلك دعوته إلى الاجتهاد والتحرر من رق الجمود والكسل الفكريين المتمثلان في تتبع الآراء التي حكاها الأئمة بدون أي دليل، والوقوف عندها وعدم تجاوزها، حتى قال عنه ابن الوردي في تاريخه : « وادعى إمام الحرمين الاجتهاد المطلق لأن أركانه حاصلة له، ثم عاد إلى اللائق به، وهو تقليد الإمام الشافعي لعلمه أن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه » [25] !!، وإن كان قوله هذا لا يخلو من مآخذ، إلا أن ما يهمنا منه الآن هو إبراز هذه الصفة التي امتاز بها الجويني عن غيره من أهل عصره، والتي شهد له بها العديد من أقرانه، رغم أنه رحمه الله شافعي المذهب، إلا أن ذلك لم يمنعه من التحرر من قيود التمذهب والتقليد، والتحليق في سماء الاجتهاد .
      إن مما يؤكد صدق دعوى الباحث ما نجده في العديد من مصنفات أبي المعالي من حكايته لرأي الشافعي رحمه الله مع رأي غيره من علماء الأمصار، ومقارنة بعضها بعضا، ثم اختيار ما وافق الدليل منها، أو جرى على أصل عام من أصول الشريعة وقواعدها، ومن الأمثلة على ذلك عرضه لقول كل من الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما في حكم اشتراط الاجتهاد في القاضي فقال : « فالذي يؤثره الشافعي رضي الله عنه ومعظم الأئمة أنه يشترط أن يكون المتولي للقضاء مجتهدا، ولم يشترط أبو حنيفة رحمه الله ذلك، وجوز أن يكون مقلدا، يستفتي فيما يعرض من المشكلات، ويحكم بموجبه »[26]، وقال في معرض حديثه عن واجبات الإمام اتجاه فروع الدين ومدى صلاحياته في حمل الناس على العبادات الظاهرة منها والخفية : « فأما ما لم يكن شعارا ظاهرا من العبادات البدنية، فلا يظهر تطرق الإمام إليه، إلا أن ترفع إليه واقعة فيرى فيها رأيه .
مثل أن ينهى إليه أن شخصا ترك صلاة متعمدا من غير عذر، وامتنع عن قضائها، فقد يرى قتله على رأي الشافعي رضي الله عنه، أو حبسه وتعذيبه على رأي آخرين »[27]، فلم يلزم الحاكم أن يقضي في ترك الصلاة بمذهب الشافعي، وإنما خيره بين اتباع المذهب والحكم به وبين غيره من مذاهب العلماء والأئمة[28].
ويتضح الطابع الاجتهادي لدى أبي المعالي من خلال نقده لمقلدة عصره، ومن ذلك قوله رحمه الله في " الغياثي " عند معالجته لمشكلة سياسية اقتصادية تتعلق بازدياد عساكر الإسلام إلى درجة أن موارد بيت المال لم تعد كافية لمئونتهم وعدتهم ... - قال - : « فهذه التشبيبات قدمتها لتوطئة أمر مقطوع به عندي، قد يأباه المقلِّدون الذين لا تقتضيهم نفوسهم التحويم على الحقائق، فضلا عن ورودها، وكلما ظهرت حقيقة، ولاحت إلى دركها[29] طريقة صبروا لجحودها »[30]، ثم قال بعد عرضه لرأيه في هذه القضية : « فرحم الله امرء طالع هذا الفصل وأنصف وانتصف ولم يَلزم جادة تقليده ولم يتعسف »[31]، كما يظهر ذلك واضحا جليا في فقرة أخرى من نفس الكتاب، حيث يشدد فيها من هجومه على المقلدة قائلا :« وإنما بلائي كله ... من ناشئة الزمان شذوا طرفا من مقالات الأولين، وركنوا إلى التقليد المحض، ولم يتشوفوا إلى انتحاء درك اليقين، وابتغاء ثلج الصدور، فضلا عن أن يشمروا للطلب، ثم يبحثوا أو يحققوا، ثم إذا رأوا من لا يرى التعريج على التقليد، ويشرئب إلى مدارك العلوم، ويحاول الانتفاض من وَضر[32] الجهل، نفروا[33] نِفار الأوابد ونخروا[34] نخير الحمر المستنفرة، وأضربوا عن إجالة الفكر والنظر، وارجحنوا[35] إلى المطاعن على من يحاول الحقائق، ويلابس المضايق، وقنعوا من منصب العلماء بالرد على من يبغي العلم، والترقي عن الجهالات ، والبحث عن حقائق المقالات »[36]، وذلك لأن إمام الحرمين يرى استحالة انطباق فتاوى إمام المذهب واختياراته في جميع مسائل الشريعة، لأن مسالك الاجتهاد وأساليب الظنون كثيرة، وجهات النظر لا يحويها حصر[37]، وهو بذلك ينفي العصمة عن أي إمام كان حتى عن الشافعي رحمه الله، إذ أن العصمة لا تجوز لأحد إلا للرسل والأنبياء أما الأئمة فمعرضون للزلل والخطأ[38] - حسب إمام الحرمين و-، كما هو مقرر من قواعد الشريعة وأصولها، لذلك نجده قد " أنزل المذاهب كلها في منزلة النظر والاعتبار، غير متعصب لواحد منها، بحيث لا يكون عنده ميل يقوده إلى مذهب معين من غير برهان ... فكان على هذه الملة عن اجتهاد وبصيرة، لا عن تقليد، ولا يخفى أن هذا مقام عظيم، لا يتهيأ إلا لمثل هذا الإمام، وليس يسمح به لكل أحد، فإن غائلته تخشى إلاَّ على من برز في العلوم، وبلغ في صحة الذهن مبلغ هذا الرجل العظيم " كما قال عنه السبكي رحمه الله [39] .
ومصداق ذلك من كلام الجويني قوله : « فمن عنَّ له من المقلدة أن مذهب الشافعي رضي الله عنه وأرضاه أرجح ومسلكه أوضح، لأمور كلية اعتقدها، وقضية لائقة بمقدار بصيرته اعتمدها، فليس يعتقد – إن كان معه مسكة من العقل، وتشوف إلى مقدمات من الفضل – أن إمامه تجب له العصمة عن الزلل والخطَل[40] بل لا معصوم إلا الرسل والأنبياء فيما يتعلق بتبليغ الرسالة والأنباء، فما من مسألة تتفق إلا والمقلد يجوز أن يكون إمامه زالا في معانيها، وظهور الحق مع مخالفه فيها، وإنما الذي غلب على وهمه على مبلغ علمه وفهمه أن إمامه بالإصابة في معظم المسائل جدير، فهذا غاية ما يدور في الضمير »[41]،ويقول أيضا في كتابه "مغيث الخلق" :« ولسنا ندعي العصمة للشافعي رحمه الله »[42]، بل يتعدى ذلك إلى الإعلان أنه إذا ظهر إمام ناخل للمذاهب مستقرئ لها مجتهد في أصولها وفروعها فيجب على المقلدين إتباعه ؛ لذلك نجده يقول : « فإذا اشتملت الأيام على مثل هذا الإمام، تعين على كافة المقلدين إتباعه، والسبب فيه أنه بالإضافة إلى الماضين المنقرضين في حكم الناخل للمذاهب والسابر لتباين المطالب، وسبره لها أثبت من نظر المقلد »[43] .
وتتضح صفة الاجتهاد عند إمام الحرمين من خلال مجموعة من مصنفاته المفيدة التي تحمل من المعاني والنكت والفوائد أضعاف أحجامها، كما يظهر ذلك من خلال ما نقف عليه من ثناء أهل عصره عليه وشدة احترامهم وتقديرهم له ولعلومه التي بلغت المشرق والمغرب، فحيرت عقول العقلاء، ولمناظراته التي أعجزت مشاهير الفقهاء، ولخطبة التي أفحمت كل البلغاء والفصحاء، ولِما أوتيه من الأدب ما فاق به جميع الأدباء، ومن توسع العبارة ما لم يُعهد عند غيره من العلماء، فلا ضير أن يصفه مؤرخ الشافعية تاج الدين السبكي في طبقاته على لسان عبد الغافر المقدسي قائلا : « فخر الإسلام، إمام الأئمة على الإطلاق، حبر الشريعة، المجمع على إمامته شرقا وغربا، المقر بفضله السراة والحداة ، عجما وعربا، من لم تر العيون مثله قبله، ولا ترى بعده ...
أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب، فزاد فيها على كل أديب، ورزق من التوسع في العبارة وعلوها ما لم يعهد من غيره حتى أنسى ذكر سحبان[44]، وفاق فيها الأقران، وحمل القرآن، فأعجز الفصحاء اللُّد،  وجاوز الوصف والحد، وكل من سمع خبره ورأى أثره، فإذا شاهده أقر بأن خبره يزيد كثيرا على الخبر، ويَبِرُّ على ما عُهِد من الأثر .
وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، مرا فيها كالبرق الخاطف، بصوت مطابق كالرعد القاصف، ينزف فيه له المبرِّزون، ولا يدرك شأوه المتشدقون المتعمقون، وما يوجد منه في كتبه من العبارات البالغة كُنْه الفصاحة غيض من فيض ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يُعهد من بيانه »[45]، فمن كان هذا حاله، وتلك هي علومه، أفلا يكون مجتهدا محققا .
         وبما أن إمام الحرمين قد عاش في عصر كثر فيه العلماء، واشتهر فيه جمع كبير من الأئمة الأعلام الذين بلغوا المراتب العليا في العلوم، والدرجة الرفيعة عند الخاصة والعامة، فقد حضي إمامنا رحمه الله بمكانة رفيعة بين هؤلاء العلماء، وبمنزلة خاصة عند جميع معاصريه الذين شهدوا له بسَبقه في شتّى العلوم، واعترفوا له بعلو مكانته وسعة إدراكه وتوقد ذهنه، وبلوغه مراتب المجتهدين ومناصب المحققين، مما جعلهم يقلدونه رئاسة الأصحاب وزعامتهم مع ما شغله من مناصب مرموقة : كالتدريس في النظامية والخطابة والتذكير والإمامة[46]  والأوقاف، فبقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة غير مزاحَم ولا مدافَع[47]، مما يدل على وصوله إلى رتبة عالية في الإمامة قد أدركها أقرانه ومعاصروه، حتى قال عنه القشيري[48] رحمه الله : « لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة لاستغنى بكلامه هذا عن إظهار المعجزة »[49] .
 وقال له أبو إسحاق الشيرازي – رحمه الله - يوما : « يا مفيد أهل المشرق والمغرب أنت اليوم إمام الأئمة »[50] .
       إن مما يؤكد هذا الطابع الاجتهادي لدى الجويني، ذلك الافتراض الذي تضمنه الغياثي والذي مفاده التنظير لشغور الزمان عن المفتين ونقَلة المذاهب، فلا يبقى هناك علم بالمذاهب والتفاصيل، وإنما تبقى الأصول والقواعد العامة، لذلك عقد رحمه الله أبوابا مختلفة يناقش فيها بعض المسائل والقضايا التي يمكن أن تواجه الناس في تلك الحالة التي صورها، ليضع لهم أحكاما في مختلف فنون الفقه من : طهارة وصلاة وزكاة وصوم، إضافة إلى أحكام المكاسب والمعاملات والمواريث والمناكحات .
       [51] وبالنظر إلى هذه المسائل، والأحكام رأينا إمام الحرمين يخالف فيها مذهب الشافعي ويتفق مع غيره من المذاهب حينا، ويخالف المذاهب كلها حينا آخر، حتى كدنا نقول : إن هذه هي آراؤه الحقيقية، وإنه اتخذ هذا الغرض ستارا يحتمي به من حملة المذاهب والمتمذهبين، وكأنه يقول بلسان الحال : " لو لم أُسبق بالمذاهب، لكان الحكم الذي أرتضيه هو هذا " .
        وقد قوَّى هذا الاستنتاج أمور منها :
       - أنه يشعر بما يقوم به، ويتوقع هجوما عليه فيقول : « فإن قيل هذا الذي ذكرته اختراع مذهب لم يصر إليه المتقدمون...؟ قلنا هذا الفن من الكلام يتقبله راكن إلى التقليد مضرب عن المباحث كلها، أو متبحر في تيار بحار علوم الشريعة بالغ في كل غمرة إلى مقرها ... وينكره الشادون المستطرفون الذين لم يتشوفوا بهممهم إلى إدراك الحقائق ولم يضطروا إلى المآزق والمضايق »[52] .
      فهو يشعر بأن هذا مذهب جديد، وأنه مستهدف للهجوم والاتهام، ولذلك يعد الرد والدفاع ويقدمه ...
     - أنه وهو يعرض هذه المسائل يناقش المذاهب القائمة، ويبين المسافة بين رأيه الذي ارتآه وبين هذه المذاهب، ولو كان الأمر تقدير حالة متوقعة في زمان مستقبل، لما التفت إلى هذه المذاهب القائمة، ولما عُنِي ببيان علاقة رأيه بها [53] .
      وقد عرض الدكتور عبد العظيم الديب تلك المسائل التي ناقشها إمام الحرمين في افتراضه لشغور الزمان عن المفتين ونقلة المذاهب[54]، فتأكد لنا ما لاحظناه آنفا من أن الجويني رحمه الله كان كثيرا ما يخالف مذهب الشافعي ويختار مذهب غيره كمالك وأبي حنيفة، بل إننا نجده يخالف المذاهب كلها في كثير من المسائل ويأتي بآراء جديدة لم يُسبق إليها ولم يُزحم عليها كما صرح بذلك بنفسه في أكثر من موضع، مما جعل الدكتور عبد العظيم الديب يقول : « وقد لاحظنا أنه في أثناء بحثه لهذه المسائل، يتعرض للمذاهب، ويبين مدى قربها أو بعدها من الرأي الذي يراه، ويحاول أن يبطل أدلة المذاهب المعارضة .
     فكأنه يدفع عن رأي يراه الآن، وإلا فلو كان الحكم خاصا بمسألة فرضية في زمان مستقبل، تدرس فيه أعلام المذاهب، وتنسى تفاصيل الأحكام، ويخلو الزمان من المفتين العالمين بفروع المسائل – لو كان الأمر كذلك – لما كان هناك داع لمناقشة المذاهب القائمة، وتحديد المسافة بين رأيه وبينها، فهل ما يقوله هو مذهبه الذي يراه الآن ؟ »[55]، فيكون بذلك اتخذ هذا الافتراض كغطاء يبث من خلاله مذاهبه وآراءه الاجتهادية  التي خالف فيها الشافعي وغيره، خاصة أن العصر الذي عاش فيه كثر فيه المقلدون وأتباع المذاهب ممن يعِز عليهم مخالفة إمام مذهبهم، وربما يكون هذا هو ما دفع ابن الوردي أن يقول عن إمام الحرمين أنه ادعى الاجتهاد المطلق كما سبق نقل ذلك عنه في بداية المبحث .
وقد يكون – أي ابن الوردي – التفت إلى هذه النكتة من افتراض أبي المعالي لنظرية شغور الزمان عن نقلة المذاهب، فتفطن إلى كون إمام الحرمين لم يفترض ذلك إلا لعرض مذاهبه الخاصة، لأن مخالفة المذهب في ذلك الوقت كان يشق على الناس، لكونهم يعتقدون أن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه بانقراض الأربعة أئمة الأمصار، وهذا هو السر في أن الجويني كان يلتجئ إلى الوزير " نظام الملك " ويطلب منه الحماية من المقلدة من أبناء عصره[56]، والله أعلم .
ومن مظاهر تحرره الفكري، ونبذه للتقليد، ما عرف عليه رحمه الله من مخالفته لكل من الشافعي والأشعري والباقلاني رحمهم الله في كثير من المسائل والقضايا، ويبدو ذلك بشكل واضح من خلال كتابه " البرهان "، حيث قام محققه الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله بوضع فهارس فنية في آخر المجلد الثاني منه، يحصي من خلالها المسائل العلمية التي خالف فيها أبو المعالي الأئمة المذكورين آنفا، وهي ترجع في مجموعها إلى سبعين مسألة ؛ حيث إنه خالف الشافعي في ست وعشرين، والأشعري في ثلاث، والباقلاني في واحد وأربعين[57]، وعن ذلك يقول السبكي : « والإمام لا يتقيد لا بالأشعري ولا بالشافعي، لا سيما في " البرهان "، وإنما يتكلم على حسب تأدية نظره واجتهاده، وربما خالف الأشعري ...»[58].
ومن مظاهره أيضا ما عرف عنه في كتابه الغياثي من مناداته للاجتهاد، ودعوته المصنفين في حقول الشريعة أن لا يقتصروا على حكاية أقوال السابقين، بل يجب عليهم الخوض في القضايا المستجدة، حيث قال : « وحق على كل من تتقاضاه قريحته تأليفا، وجمعا وترصيفا[59]، أن يجعل مضمون كتابه أمرا لا يُلفى في مجموع، وغرضا لا يصادف في تصنيف »[60]، ولا ينسى في هذا المقام أن يضع ضابطا لمن اضطر إلى ذكرها فيقول في شأنه : « ثم إن لم يجد بدا من ذكرها، أتى بها في معرض التذرع والتطلع إلى ما هو المقصود المعمود »[61] .
     أما فيما يتعلق باقتصاره رحمه الله على الجديد من الأقوال والآراء فهذا بيِّن واضح، فالمستقرئ لمباحث الإمام في الغياثي تظهر له جليا هذه الميزة، ذلك أنه قد اشتمل على العديد من الآراء التي خرجت لأول مرة من بطون علوم الإمام إلى عالم الفكر الإسلامي لتزيده نورا وضياء ؛ يبين ذلك قوله عن منهجه في الكتاب المذكور : « فأعود وأقول : لست أحاذر إثبات حكم لم يدونه الفقهاء، ولم يتعرض له العلماء، فإن معظم مضمون هذا الكتاب لا يلفى مدونا في كتاب، ولا مضمنا لباب، ومتى انتهى مساق الكلام إلى أحكام نظمها أقوام، أحلتها على أربابها وعزيتها إلى كتابها، ولكني لا أبتدع، ولا أخترع شيئا، بل ألاحظ وضع الشرع، وأستثير معنى يناسب ما أراه وأتحراه، وهكذا سبيل التصرف في الوقائع المستجدة التي لا توجد فيها أجوبة العلماء معدة  »[62] .
ثم إننا إذا نظرنا إلى تراجم العلماء له، نجد أن الكثير منهم قد أبرز لإمامنا هذه الميزة، حيث وصفه الكثيرون بأنه لم يرضى بالتقليد دون بحث ونظر وتحقيق، وعن ذلك يقول السبكي – على لسان عبد الغافر الفارسي - : « ولم يرضى في شبابه بتقليد والده وأصحابه، حتى أخذ في التحقيق، وجدَّ واجتهد في المذهب والخلاف ومجلس النظر، حتى ظهرت نجابته، ولاح على أيامه همَّة أبيه وفراسته، وسلك طريق المباحثة، وجمع الطرق بالمطالعة والمناظرة والمناقشة »[63].
وقال ابن عماد الحنبلي في "شذرات الذهب" : « ولم يرض بتقليد والده من كل وجه، حتى أخذ في تحقيق المذهب والخلاف»[64]، وفي "سير أعلاء النبلاء" للذهبي نص عن إمام الحرمين جاء فيه :« وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد »[65] .
هكذا إذن : هروب ونفور وعدم رضا بالتقليد، وفي المقابل نجد : مباحثة وجمعا للطرق ومناقشة وتحقيقا ومطالعة لأوضاع الشرع وجد واجتهاد . فأي نبذ للتقليد أكثر من هذا، وأي دعوة إلى الاجتهاد أكبر من هذه ؟ .
ثم إننا نجده يطبق هذا المبدأ في كثير من الأحيان، حيث يرد ويناقش ويعترض بعلم ودراية، لا بجهل وعناد، ولا يبالي بالمخالف لما يراه حقا، حتى ولو كان هذا المخالف أباه أو واحدا من أئمة المذهب وفحوله، ومن مظاهر ذلك :
-                         أنه قال في اعتراض على والده : « وهذه زلة من الشيخ رحمه الله »[66].
-                         وقال في معرض حديثه عن معنى واو العطف : « خاض الفقهاء في الواو العاطفة، وأنها هل تقتضي ترتيبا أو جمعا ؟ فاشتهر من مذهب الشافعي رحمه الله المصير إلى أنها للترتيب.
        وذهب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله إلى أنها للجمع.
وقد زلَّ الفريقان... »[67].
- وقال عند حديثه عن صيغة الأمر ومقتضياتها، بعد أن رفض مذهب الشافعي والأشعري والمعتزلة : « فإن قيل قد أبطلتم الوقف، ومذهب المعتزلة، والفقهاء، فما المختار عندكم ؟ قلنا : قد حان الآن أن نبتدئ المسلك الحق في صيغة المباحثة والتقسيم »[68].
- وفي معرض حديثه عن حالة وجود أقضية وأعمال للصحابة تخالف الخبر، فبأيهما نتمسك ؟ قال : « وقال الشافعي رحمه الله : لا نَظَر إلى الأعمال والأقضية إذا لم يتفق عليها أهل الإجماع، والتعلق بالخبر أولى.
ونحن نذكر ما تسمك به الشافعي، ثم نذكر بعده المختار عندنا »[69].
- وقال أيضا عن تعارض خبران صحيحان، وعضد أحدهما بعمل الصحابة : « فإذا تعارض خبران صحيحان، وعمل بأحدهما أئمة من الصحابة.
فقد رأى الشافعي ترجيح ذلك الخبر على الخبر الذي عارضه ولم يصح العمل به، واستشهد بما رواه أنس في نصب الغنم، إذ عارضه ما رواه علي رضي الله عنه فيها، وعمل الشيخين يوافق ما رواه أنس : فقال رضي الله عنه أقدم حديث أنس .
وهذا مما يجب التأني فيه، فليس ما استشهد به مما يقال فيه : إن عمل الصحابة خالف خبرا، إذ لم يصح عندنا أنهم بلغهم حديث علي رضي الله عنه، ثم لم يعملوا به »[70].
- وقال أيضا : « قطع الشافعي جوابه بأن الكتاب لا ينسخ بالسنة، وتردد قوله في نسخ السنة بالكتاب.
والذي اختاره المتكلمون – وهو الحق المبين – أن نسخ الكتاب بالسنة غير ممتنع »[71].
- وعن مسألة أن الفعل في حال حدوثه مأمور به أم لا ؟ قال معترضا على مذهب أبي الحسن الأشعري : « ومذهب أبي الحسن مختبط عندي في هذه المسألة »[72].
أظن أن هذه النصوص كافية في البرهان على ما أراد الباحث الاستدلال عليه، وجديرة بالإعراض عن التعليق عليها لوضوح ألفاظها ومعانيها، ووفائها بالغرض من إيرادها، ثم إن هذه الصفة ستزيد وضوحا وبيانا في ما سنستقبله من فصول ومباحث، تحمل بين سطورها مجموعة من المسائل التي خالف فيها إمام الحرمين القاضي أبا بكر الباقلاني على جلالته وقدره عند علماء عصره عموما، وعند الجويني بشكل خاص.
ج – شدته في النقد
تتضح هذه الصفة من خلال مطالعة جانب من كتبه، خاصة في ردوده على المقلدة ممن عاصروه، وقد قدمت في المبحث السابق بعض النصوص التي تدل على ذلك حيث يرد فيها على مقلدة زمانه، كما يتبين ذلك من خلال ردوده العلمية على طائفة من علماء عصره، كما هو الشأن بالنسبة للإمام الماوردي[73] رحمه الله (450 هـ) ، حيث تعرض له إمام الحرمين بالنقد اللاذع في غير ما موضع من كتابه "الغياثي"، منتقدا ما تضمنته مباحث كتابه " الأحكام السلطانية " قائلا : « والعجب لمن صنّف الكتاب المترجم بالأحكام السلطانية، حيث ذكر جملا في أحكام الإمامة في صدر الكتاب، واقتصر على نقل المذاهب ... وجرى له اختباط وزلل كثير في النقل، ثم ذكر كتبا من الفقه، فسردها سردا، وطردها على مسالك الفقهاء طردا »[74].
وقال رحمه الله في انتقاده للأصم بسبب مخالفته للإجماع في وجوب نصب الإمام : « وهذا الرجل هجوم على شق العصا ... ولا يسمى إلا عند الانسلال عن رِبْقة الإجماع والحيد عن سنن الإتباع »[75] .
وقال أيضا منتقدا يحيى بن يحيى في فتواه للملك الذي واقع في نهار رمضان فأفتاه بصيام شهرين : « إن صح هذا من معتز إلى العلماء، فقد كذب على دين الله وافترى، وظلم نفسه واعتدى، وتبوَّأ مقعده من النار في هذه الفتوى، ودل على انتهائه في الخزي إلى الأمد الأقصى، ثكلته أمه، لو أراد مسلكا رادعا، وقولا وازعا ناجعا، لذكر ما يتعرض لصاحب الواقعة من سخط الله وأليم عقابه »[76] .
كما قال بعد رده على الإمامية[77] في مسألة عصمة الأئمة : « وهذا المبلغ كاف في مكالمة هؤلاء، فهم أذل قدرا من أن ينتهي الكلام معهم إلى حدود الإطناب »[78].
وكتب إمام الحرمين شاهدة على ما قصدت التدليل عليه، حيث إننا نجده في كثير من ردوده حاد الطبع، شديد العبارة، خاصة إذا تعلق الأمر بغير أهل السنة والجماعة، بل وأحيانا لا يسلم أهل السنة من قلمه وقوة لهجته .
ومن الشواهد على ذلك – إضافة إلى ما سبق ذكره - ما قاله في كتابه الغياثي وهو يتحدث عن مقدار التعزير، حيث يرفض ما قرره بعض العلماء من جواز زيادة التعزيرات عن الحدود، معللين ذلك بفساد أهل الزمان وابتعادهم عن الدين –فقال - : « وذهب بعض الجهلة عن غِرَّة[79] وغباوة أن ما جرى في صدر الإسلام من التخفيفات، كان سببها أنهم كانوا على قرب عهد بصفوة الإسلام، وكان يكفي في ردعهم التنبيه اليسير، والمقدار القريب من التعزير، وأما الآن فقد قست القلوب، وبعدت العهود ووهنت العقود، وصار متشبت عامة الخلق الرغبات والرهبات، فلو وقع الاقتصار على ما كان من العقوبات، لما استمرت السياسات ... ولو جاز ذلك لساغ رجم من ليس محصنا إذا زنا في زمننا هذا لما خيله هذا القائل، ولجاز القتل بالتهم إذا ظهرت في الأمور الخطيرة، ولساغ إهلاك من يخاف غائلته في بيضة الإسلام، إذا ظهرت المخايل والعلامات، وبدت الدلالات، ولجاز الازدياد على مبالغ الزكوات عند ظهور الحاجات »[80].، ثم يوجه بعد ذلك انتقادا شديدا لأصحاب السياسات الذين لم يحيطوا بمحاسن الشريعة ومقاصدها، ولم يفقهوا أغراض الشارع من وضع العقوبات فجوزوا التمادي في الردع والزجر تحقيقا لمصالح الإيالات، غير مبالين بالحدود التي رسمتها الشريعة في العقوبة الغير منصوص عليها، ويقرر بذلك أن معاودة التعزير الذي لا يبلغ الحد مع عدم تجاوزه للقدر المشروع في حق من أبى الرجوع عن غيه وضلاله ومعصيته خير من التمادي في العقوبات والاتساع فيها، إذ أن الشريعة لم تأت لتعذيب المسلمين وإثارة الرعب في قلوبهم بدون مسوغ شرعي، بل جاءت لاستصلاحهم وجلب المنافع لهم ودفع الضرر عنهم بقدر الإمكان، وعن ذلك يقول : « والذي يبديه أصحاب السياسات أن التعزير المحطوط عن الحد لا يزع ولا يدفع، وغايتهم أن يزيدوا على مواقف الشريعة، ويتعدوها ليتوصلوا بزعمهم إلى أغراض رأوها في الإيالة .
         والمسلك الذي مهدناه يتضمن الزجر الأعظم والردع الأتم واستمرار العقوبات مع تقدير المعاودات، فإن انفك بقليل – والكثير محرم – فلا أرب في تعذيب مسلم وإن أبى عدنا له .
       وإنما ينسل عن ضبط الشرع من لم يحط بمحاسنه، ولم يطلع على خفاياه ومكامنه، فلا يسبق إلى مكرمة سابق إلا ولو بحث عن الشريعة لألفاها أو خيرا منها في وضع الشرع »[81].
      لقد رفض الجويني رحمه الله التعزير المخالف للضوابط الشرعية سواء أكان مبالغة في التعذيب كما سبق بيانه أو قتلا أو عقوبة مالية على ما سيأتي تفصيله.
      ففيما يخص التعزير بالقتل لم ير إمام الحرمين جواز ذلك، بل أنكر على القائلين به، واعتبر أن ذلك من أفعال الملوك الجبابرة وليس من سيرة الصحابة الكرام، ويتضح ذلك من خلال إنكاره على مالك رضي الله عنه فيما ذهب إليه من جواز قتل ثلث الأمة تعزيرا من أجل استصلاح الباقي، فقال في "البرهان" : « وبيان ذلك بالمثال : أن مالكا لما زل نظره ! كان أثر ذلك تجويز قتل الأمة مع القطع بتحرز[82] الأولين عن إراقة مِحْجَمة[83] دم من غير سبب متأصل في الشريعة، ومنه تجويزه التأديب بالقتل في ضبط الدولة، وإقامة السياسة، وهذا إن عُهِد فهو من عادة الجبابرة، وإنما حدثت هذه الأمور بعد انقراض عصر الصحابة »[84]، قلت : ومن القائلين بجواز بلوغ التعزير حد القتل، مالك وبعض أصحاب أحمد واختاره ابن عقيل وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة كالتجهم والرفض وإنكار القدر[85] .
أما فيما يتعلق بالتعزير بالعقوبات المالية عن طريق مصادرة الأموال ردعا للعصاة عن ارتكاب المعاصي، والإقدام على الزلات والتمادي في سبيل الغي والضلالات، فقد رفض رحمه الله ذلك قائلا : « فمضمونه – أي الفصل – الرد على من يرى تعزير المسرفين الموغلين باتباع الشبهات واقتراف السيئات، واتباع الهنات بالمصادرات، من غير فرض افتقار وحاجات، وهذا مذهب جدا ردي، ومسلك غير مرضي، فليس في الشريعة أن اقتحام المآثم يوجه إلى مرتكبيها ضروب المغارم »[86]، وهذا الذي انتقده الإمام أبو المعالي هو مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي رضي الله عنهم[87].
لقد تعددت مظاهر شدة النقد عن إمامنا رحمه الله، وكثرت الشخصيات الإسلامية والعلمية التي نالت حضها من لذعه، وتنوعت الأسماء  التي أخذت نصيبها من شدة لهجته، فبالإضافة إلى مالك رحمه الله نجد أيضا أنه قد تعرض لأبي حنيفة بالنقد في غير ما موضع من كتابه " البرهان "، فمن ذلك ما وصف به رأيه في مسألة خيار المجلس حيث قال : « فمخالفته محمولة على انتحاله هذا الرأي الفاسد »[88]. وقال في موضع آخر وهو يضع مفاضلة بين مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله : « مثل هذا الرجل لا يعد من أحزاب الفضلاء، فإنه مهَّد أبوابا وقعد قواعد في مسالك الظنون، ومظان الغموض والإعضال من غير نص كتاب وسنة، ثم لم يستقله[89] فيما يخبر به ظن يعارضه ظن، بل تهجم على حكم الله في كل واقعة »[90]. وأكثر من هذا وذاك أنه قد ألف كتابا مفردا في المفاضلة بين الإمامين، تعصب فيه لمذهب الشافعي، وانتصر للقول بوفاء أصوله لكافة الوقائع بخلاف غيره، وسماه : "مغيث الخلق في ترجيح القول الحق" وإن كان الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله – وهو الذي عايش كتب إمام الحرمين لسنوات عديدة – قد شكك في نسبة هذا الكتاب وكذا الكلام المنقول آنفا لإمام الحرمين من " البرهان "، واعتبرهما مدسوسين عليه لا مما كتبته وخطته يديه[91].
أما أبو القاسم الفوراني[92] وهو أحد مشايخ الإمام، فقد اشتد وطيس الانتقادات التي وجهها له في كتابه الضخم "نهاية المطلب في دراية المذهب"، وقد عددت له في هذا الباب أزيد من ثمانية وعشرين عبارة في مواطن مختلفة من هذه الموسوعة، كلها عبارات تتفق في مجملها على تأكيد هذه الصفة التي وصف الباحث بها أبا المعالي، ومن ذلك :
1 – قوله وهو يتحدث عن صلاة الإمام بطائفتين صلاة المغرب في حالة الخوف : « وفي بعض التصانيف عن الإملاء، أن الأولى أن يصلي بالطائفة الثانية ركعتين، وهذا مزيف لا أعده من المذهب»[93].
2 – وفي معرض حديثه عن عدد التشهد في ركعات الوتر التي تتجاوز الثلاث قال : « وفي بعض التصانيف أن من أصحابنا من لم ير غير الاقتصار على تشهد واحد في الآخر، واعتقد أن ما روي عن التشهدين إنما جرى على التفصيل، فكان يصلي أربعا بتسليمة، ثم ركعة بتسليمة، فيقع التشهدان، وكذلك ما كان يزيد في الركعات، وهذا رديء لا تعويل عليه »[94].
3 – ومن جملة أقواله في " النهاية " ردا على الإمام الفوراني رحمه الله : « وهذا مزيف لا تعويل عليه » 2/404، « وهذا مزيف لا أرى له وجه » 2/405،« وهذا ساقط غير معتبر» 2/479، « ولا أصل لهذا الكلام ولا فائدة فيه » 2/538، « وهذا لا أصل له، ولم أره في غير هذا الكتاب » 2/578، « وهذا رديء غير معتد به، ولست أراه من المذهب، ولم أطلع عليه في كتب العراق » 14/532، « هذا غير معتد به » 2/624 و2/652 و12/241، « وهذا نهاية البعد وهو خارج عن الضبط بالكلية » 3/64، « وهذا التشبيه زلل » 3/80، « وهذا ساقط غير معتد به، وفساده واضح » 3/272، « لا خير في هذا الوجه، فلا تعتبروا به » 6/109، « وهذا بعيد غير معتد به، ولست أدري أن هذا القائل يخصص هذا الوجه البعيد بقرعة ينشئها السلطان » 12/96، « وهذا كلام مختلط لا تعويل على مثله »18/11، « وهذا التخصيص لا أصل له » 19/462، « مزيف غير معتد به » 17/21،... وغير ذلك من العبارات التي لا تخرج في إطارها العام عن المعاني المذكورة، ولو أراد باحث استقصاءها، واستخراجها من مظانها ثم تحريرها لانتهى به الأمر إلى " مجموع " لا تخلوا مباحثه من الدرر والفوائد.
وقد تنبه الأئمة الأعلام من أصحاب التراجم إلى هذه النكتة، ونبهوا إلى أن الجويني إذا قال في " النهاية " : بعض المصنفين أو بعض التصانيف، إنما يقصد أبا القاسم الفوراني، قال ابن خلكان : « سمعت بعض فضلاء المذهب يقول : كان إمام الحرمين يحضر حلقة الفوراني وهو شاب يومئذ، وكان أبو القاسم لا ينصفه، ولا يصغي إلى قوله لكونه شاب، فبقي في نفسه منه شيء، فمتى قال في "نهاية المطلب" : وقال بعض المصنفين كذا وغلط في ذلك، وشرع في الوقوع فيه، فمراده أبو القاسم الفوراني »[95]، وقال الذهبي في "العبر" : « وكان صاحب النهاية يحط على الفوراني بلا حجة »[96]، وأما السبكي فقد قال في ترجمة عبد الرحمان بن محمد الفوراني: « والناس يعجبون من كثرة حط إمام الحرمين عليه، وقوله في مواضع من "النهاية"، "إن الرجل غير موثوق بنقله".
والذي أقطع به أن الإمام لم يرد تضعيفه في النقل من قبل الكذب، معاذ الله ! وإنما الإمام كان رجلا محققا مدققا، يغلب بعقله على نقله، وكان الفوراني رجلا نقالا، فكان الإمام يشير إلى استضعاف تفقهه، فعنده أنه ربما أوتي من سوء الفهم في بعض المسائل، هذا أقصى ما لعل الإمام يقوله .
وبالجملة ما الكلام في الفوراني بمقبول، وإنما هو علم من أعلام هذا المذهب، وقد حمل عنه العلم جبال راسيات وأئمة ثقات »[97] .
وقال الذهبي أيضا في " السير " : « وكان إمام الحرمين يحط على الفوراني، حتى قال في باب الأذان : "هذا الرجل غير موثوق بنقله"، وقد نقم الأئمة على إمام الحرمين ثوران نفسه على الفوراني وما صوبوا صورة حطه عليه، لأن الفوراني من أساطين أئمة المذهب »[98].
وبرجوعنا إلى " النهاية "، وبالضبط إلى " باب الأذان "، نجد أن ما ذكره كل من الذهبي والسبكي في ترجمتهما للفوراني من كون إمام الحرمين قد قال : « إن الرجل غير موثوق بنقله » صحيح، حيث قال في معرض حديثه عن التواء المؤذن يمينا وشمالا في الحيعلتين حتى يسمع النواحي، وهل يجوز ذلك في الإقامة ؟ : « ثم الذي ذهب إليه الأصحاب استحباب الالتفات على الوجه المذكور في الإقامة.
وحكى بعض المصنفين، أن القفَّال ذكر مرة أن الالتفات غير محبوب في الإقامة، وهذا غير صحيح، والرجل غير موثوق به فيما ينفرد بنقله »[99]. وقد عرضنا آنفا من النصوص ما يؤكد هذه الخصلة، والتي قال عنها القرضاوي تحت عنوان : " كلمة عتاب لإمام الحرمين " : « كنت أود أن لا يغلو في نقده للمذهب الحنفي إلى حد العنف الجارح، الذي لا يليق من أهل العلم بعضهم لبعض، كما بدا ذلك في كتابه " مغيث الخلق في اختيار الأحق "، وقد أنكر بعضهم نسبة الكتاب إليه، ولعل أخي عبد العظيم منهم، وكم أتمنى أن يصح ذلك، ولكني وجدت في أواخر البرهان[100] ما يؤيد بعض ما في الكتاب، كما أن المؤرخين نسبوا الكتاب إليه.
وقد وعد الدكتور الديب أن ينشر بحثا موثقا بالقرائن والأدلة أن هذا الكتاب – أو بعضه على الأقل – مدسوس على إمام الحرمين، وإني لأرجوا مخلصا أن يوفق إلى ذلك.
وكذلك لم أكن أحب له أن يشتد في نقد إمام دار الهجرة مالك بن أنس، لأمور لم تثبت عنه، كالقول بقتل الثلث لإبقاء الثلثين[101]، ونحو ذلك، وإن كان في بعض الأحيان قيدها بقوله : إذا صح ذلك عنه، وهذا هو الواجب واللائق بمثله.
وأيضا لم أكن أود من رجل كبير مثله أن يتحدث عن معاصره قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي بمثل تلك اللهجة الساخرة المهينة التي قرأناها في أكثر من موقع، ولاسيما في كتابه "الغياثي"، واستقبلناها بالغرابة والإنكار، وهو ما جعل سلفنا رضي الله عنهم يحذرون من أخذ أقوال المعاصرين بعضهم في بعض»[102].
د – ثقته في علمه ورأيه  
لم لا وهو إمام وقته، الذي انتهت إليه الدراية والتبحر في مختلف العلوم بأصولها وفروعها، وكتبه رحمه الله مليئة بنصوص وفقرات تدل على صحة هذه الخصلة، وصدق هذه الدعوى، سأذكر بعضا منها على سبيل التمثيل فقط لا الاستقصاء والحصر، ومن ذلك :
-                         قوله في البرهان : « ولا ينبغي أن يعتقد الناظر في هذا الكتاب أن هذا مبلغ علمنا، ...، ولكن هذا الموضع لا يحتمل أكثر من هذا »[103] .
-   قوله في نفس المصدر وهو يتحدث عن حقيقة العقل : « وقد أتى هذا المقدار على أسرار لا تحويها أسفار، وهو على إيجازه لا يغادر وجها من البيان تمس إليه الحاجة، وينزل كل كلام وراءه كالفضل المستغنى عنه »[104].
-   وقال أيضا : « ونحن من هذا المنتهى نفرع ذروة في التحقيق لم يُبلغ حضيضها، ونفترع معنى بكرا هو على التحقيق منشأ اختباط الناس في عماياتهم، والله ولي التوفيق »[105].
-   وقال : « ولا ينبغي أن ينسبنا الناظر، والمنتهي إلى هذا المقام إلى تقصير فيما يتعلق بمحل الإشكال في نقل القرآن العظيم، فإنه قطب عظيم، ولم يشف القاضي فيه الغليل في كتابه " الانتصار "، وإن عد ذلك من أجل مصنفاته، وفي نفسي أن أجمع من ذلك ما تقر به الأعين، إن شاء الله تعالى »[106].
-   وقال في "الغياثي" : « فهذه جمل في أبواب الأموال من طريق الإيالة المؤيدة بالحق ... أبرزتها بتوفيق الله من ناحية الإشكال إلى ضاحية الإيضاح، كأنها غَيْداء[107] مُشَنَّفة[108] مقرطَّة[109] بالدرر[110] والأوضاح، فأين تقع هذه الفصول من كتب مضمونها أقوال ؟ »[111].
-   ومع ثقته في علمه، واعتزازه برأيه، فقد كان رحمه الله متواضعا، قال السبكي : « ومن حميد سيرته أنه ما كان يستصغر أحدا حتى يسمع كلامه، شاديا[112] كان أو متناهيا، فإن أصاب كياسة[113] في طبع أو جريا على منهاج الحقيقة استفاد منه، صغيرا كان أو كبيرا، ولا يستنكف أن يعزي الفائدة المستفادة إلى قائلها، ويقول : إن هذه الفائدة مما استفدته من فلان  ... وكان من التواضع لكل أحد بمحل يتخيل منه الاستهزاء، لمبالغته فيه »[114].
3 – علومه  
إن أبرز ما يمكن أن أستهل به الكلام عن علوم إمام الحرمين هو قوله عن نفسه : « ما تكلمت في علم الكلام كلمة حتى حفظت من كلام القاضي أبي بكر وحده اثنتي عشر ألف ورقة »[115]، وقوله :« لقد قرأت خمسين ألفا في خمسين ألف »[116]، وقوله : « أنا لا أنام ولا آكل عادة، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلا كان أو نهارا، وآكل إذا اشتهيت الطعام أي وقت كان »[117] لانشغاله بطلب العلم تحصيلا وتلقينا.
كما يحكى أنه قال يوما للغزالي : « يا فقيه، فرأى في وجهه التغير، كأنه استقل هذه اللفظة على نفسه، فقال له : افتح هذا البيت، ففتح مكانا وجده مملوءا بالكتب، فقال له : ما قيل لي يا فقيه حتى أتيت على هذه الكتب كلها»[118].
قال السبكي معلقا على قول إمام الحرمين الأول :« أنظر هذا الأمر العظيم، وهذه المجلدات الكثيرة التي حفظها من كلام شخص واحد في علم واحد، فبقي كلام غيره، والعلوم الأخرى التي له فيها اليد الباسطة والتصانيف المستكثرة، فقها وأصولا وغيرها، وكأن مراده بالحفظ فهم تلك، واستحضارها لكثرة المعاودة، وأما الدرس عليها كما يدرس الإنسان المختصرات، فأظن القُوى تعجر عن ذلك »[119].
قلت : وقد سبق أن ذكرنا في ترجمته أنه تفقه على والده الشيخ أبو محمد الجويني فأتى على جميع مصنفاته وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق[120].
إن شغف إمام الحرمين بالحفظ والمطالعة، وصبره على طلب العلم ومكابدته من أجل التحصيل، وانشغاله به تعليما وتعلما، جعلت منه إماما في الفقه والأصول والتفسير والأدب والنحو والوعظ وغيرها من العلوم التي اشتهر بها وعرف بسبقه في الإحاطة بها، مما جعل الكثير من الأئمة والمترجمين له يصفونه بكونه إمام الأئمة على الإطلاق، المجمع على إمامته شرقا وغربا، ومن لم تر العيون مثله[121]، في تنوع علومه واختلاف فنونه، بطل علم إذا رآه النظار أفحموا وقالوا : { وما منا إلا له مقام معلوم }[122].
ونحن إذا نظرنا إلى كتب التراجم، وأردنا أن نأتي بنماذج مما وصف به الأئمة علومه لجئنا من ذلك بالشيء الكثير، لذلك سأكتفي ببعض الأمثلة الموفية بالغرض في رأيي، وسأُعرض عن غيرها قصد الاختصار :
- وكان إذا أخذ في علم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، وكان يذكر في اليوم دروسا، الدرس في عدة أوراق، لا يتلعثم في كلمة منها[123].
- قال عبد الغافر الفارسي :« وكان يذكر دروسا، يقع كل واحد منهما في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، مرا فيها كالبرق الخاطف، بصوت مطابق كالرعد القاصف، ينزف فيه له المبرزون، ولا يدرك شأوه المتشدقون المتعمقون، وما يوجد منه في كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة غيض من فيض ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه»[124].
- وإذا وعظ ألبس الأنفس من الخشية ثوبا جديدا، ونادته القلوب : إننا بشر فأسجع، فلسنا بالجبال ولا الحديدا.
وإذا ناظر قعد الأسد، فلا يستطيع أن يقوم، وقام الحق بحيث يحضُر أندية الدين، ...، رُبي في حجر العلم رشيدا حتى ربا، وارتضع ثدي الفضل فكان فطامه هذا النبا، وأحكم العربية وما يتعلق بها من علوم الأدب، وأوتي من الفصاحة والبلاغة ما عجَّز الفصحاء، وحير البلغاء، وسكَّت من نطق ودأب[125].
- وكان يصل الليل بالنهار في التحصيل، ويبكر كل يوم قبل الاشتغال بدرس نفسه إلى مسجد أبي عبد الله الخبازي[126] يقرأ عليه القرآن[127].
- وكان لذَّته ولهوه ونزهته في مذاكرة العلم، وطلب الفائدة من أي نوع كان[128].
وكان إمام الحرمين مع سعة علمه وتوقد ذهنه وفرط ذكائه وإمامته في الفروع والأصول وقوة مناظراته مشهورا بضعفه في علم الحديث، قال السمعاني : كان قليل الرواية للحديث معرضا عنه[129]، وقال ابن تيمية : « فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار»[130] . وقال الذهبي : « وكان أبو المعالي مع تبحره في الفقه وأصوله لا يدري الحديث[131] كما يليق به لا متنا ولا إسنادا، ذكر في كتاب " البرهان " حديث معاذ في القياس فقال : هو مدون في الصحاح، متفق على صحته»[132].
ولمزيد من التوثيق آثرت إيراد عبارة إمام الحرمين بنصها من " البرهان " لتتبن الصورة أكثر، فقد قال هناك : احتج الشافعي – أي على وقوع التعبد بالقياس - ابتداءً بحديث معاذ بن جبل[133] – رضي الله عنهما – قال له الرسول – عليه السلام – لما بعثه إلى اليمن : « " بم تحكم يا معاذ ؟ " قال : بكتاب الله، قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي، فقال عليه الصلاة والسلام : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِه لما يرضاه رسول الله[134]، وهو مدوَّن في الصحاح، وهو متفق على صحته لا يتطرق إليه التأويل[135]. 
قال القرضاوي معلقا على قول الذهبي في "السير" : « وقد أغضبت هذه العبارة أخانا الدكتور عبد العظيم الديب، محقق كتب الإمام، كما أغضبت من قبله العلامة تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى.
والعبارة فيها شدة ولا ريب، ولكن لا إلى الحد الذي أغضب الشيخ السبكي والدكتور الديب، فقد قيد الذهبي قوله بأنه " لا يدري الحديث كما يليق به " سواء كان هذا الضمير للحديث أم للإمام نفسه، أي لا يدريه على الوجه اللائق بهذا العلم أو بهذا الإمام، وهذا حق لا أحسب أن إمام الحرمين نفسه ينكره، وقوله عن حديث معاذ لا يتفق مع ما قرره أهل الحديث إلا بتأويل وتكلف، وقد رأيناه في كثير من الأحوال يستدل بأحاديث ضعيفة، بل شديدة الضعف، حتى في الأصول، وأحاديث لا يعرفها المحدثون أنفسهم، وقد يعزو الحديث إلى غير من أخرجه أو إلى غير صحابيه ... إلخ.
وفي رأيي أن الرجل غني عن هذا كله – بلا نزاع -، ليس من المدرسة الحديثية النقلية، بل هو من المدرسة التي تجمع بين العقل والنقل، وكلامه نفسه رضي الله عنه يدل على هذا بوضوح وصراحة، وقد رد هو[136] والباقلاني[137] من قبله والغزالي[138] من بعده، حديث " لأزيدن على السبعين "[139] في الاستغفار لابن أبي[140]، وهو متفق عليه، لاعتقادهم أنه ينافي الفهم الصحيح لآية : { استغفر لهم أولا تستغفر لهم }[141].
لنقرأ له هذه العبارة في "البرهان" يقول وهو يناقش تحمل الرواية وجهة تلقيها : « لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه ... وهم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول.
وإذا نظر الناظر في تفاصيل هذه المسائل، صادفها خارجة في الرد والقبول على ظهور الثقة وانخرامها، وهذا هو المعتمد الأصولي، فإذا صادفناه لزمناه، وتركنا وراءه المحدثين ينقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب »[142].
فهذه نظرته إلى المحدثين، عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول، وهولا يعبأ أن يتركهم وراءه يتقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب .
على أن هذا – عدم دراية الحديث كما يليق به – ليس خاصا بإمام الحرمين، بل هو عام في فحول المدرسة الأشعرية كلها، فهكذا كان الأشعري والباقلاني من قبل، وكذلك كان الغزالي والرازي والآمدي من بعد.
وربما أغناه عن العناية بالحديث رجال نذروا أنفسهم لخدمته، وهيأهم الله لذلك، وخصوصا من الشافعية، وكل ميسر لما خلق له.
وقد كان في عصر إمام الحرمين من هؤلاء أمثال الحافظ المتقن الكبير أبي بكر البيهقي ( ت458 هـ)، صاحب " السنن الكبرى " و" معرفة السنن والآثار " و" جامع شعب الإيمان " وغيرها من الموسوعات، والذي قال فيه إمام الحرمين نفسه: " ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة، إلا البيهقي، فإنه له على الشافعي منة، لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله"[143]»[144].
قلت : وإن كان الإمام السبكي في طبقاته[145] قد أطنب في الرد على الإمام الذهبي في دعواه وشدد عليه في العبارة، وكذلك حاول الدكتور عبد العظيم الديب إبطال هذه التهمة، وتبيين كون الجويني من العلماء بهذا الشأن في " البرهان " 2/505-507، وأيضا في الفصل الثالث من مقدماته على " نهاية المطلب في دراية المذهب " ص : 293- 343 .
 إلا أنني أعتقد أنهما رحمهما الله قد جانبا الصواب في هذه المسألة، ولا أدل على ذلك من قول إمام الحرمين نفسه في الغياثي :« فليطلب الحديث طالبه من أهله »[146]، كما أننا نجده في عدة مواضع يذكر مراجعته لأئمة هذا الشأن، ومن ذلك قوله في " النهاية " عن رفع اليدين في القنوت : « وقد راجعت بعض أئمة الحديث، فلم يثبت رفع اليدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم »[147]، وهو أيضا يلمح إلى كونه ليس من أهل هذا الفن حيث يقول في " البرهان " : « وللمحدثين مواضعات يرتبونها، ويقولون في بعضها : أخبرني، وفي بعضها : حدثني، وليست على حقائق، وليسوا ممنوعين من اصطلاحهم، ولكل طائفة في الفن الذي تعاطوه عبارات مصطلحة »[148]. وهو أيضا شديد العداء للمحدثين، كثير الطعن فيهم، فهم في نظره حشوية، وهم أيضا عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل بنص عبارة الإمام.
4 – شيوخه وتلاميذه
أ – شيوخه     
عرف إمام الحرمين منذ صغره بحرصه الشديد على طلب العلم وتحصيله، مستفيدا في ذلك من والده أبي محمد الجويني أولا، ثم من أئمة عصره وكبار مشايخ وعلماء وقته، ابتداء من زمن طفولته وانتهاء بمشيخته، فهو دائما حريص على تحصيل مختلف العلوم بأخذها عن أصحابها الذين نبغوا فيها، ومن أبرز هؤلاء العلماء نجد[149] :
1 – والده أبو محمد الجويني ( 438 هـ) .
2 – أبو القاسم الإسفراييني ( 452 هـ ).
3 – أبو سعيد النصروي ( 433هـ ).
4 – أبو حسان محمد بن أحمد المزكي
5 – منصور بن رامش( 427 هـ).
6 – أبو سعيد بن عليك ( 431 هـ ).
7 – أبو سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني ( 440 هـ ).
8- أبو محمد البغدادي الجوهري ( 454 هـ ).
9 – أبو الحسن المجاشعي ( 452 هـ ).قال السبكي : وكان يجمله كل يوم إلى داره، ويقرا عليه كتاب " إكسير الذهب في صناعة الأدب " من تصنيفه[150].
10 – أبو عبد الله الخبازي ( 449 هـ ). قرأ عليه القرآن.
11 – أبو عبد الرحمان محمد بن عبد العزيز النيلي ( 436 هـ ).
12 – أبو القاسم الفوراني ( 461 هـ ).
12 – أبو نعيم الأصبهاني ( 430 هـ ) إجازة.

ب – تلاميذه
لقد تخرج عن إمام الحرمين جماعة من الأئمة الفحول وأولاد الصدور، حتى بلغوا محل التدريس في زمانه[151]، ويكفي أن نعلم أن الإمام خلّف نحو من أربع مائة تلميذ[152] عند وفاته، يذكر لنا ابن الوردي في تاريخه طائفة منهم : الغزالي ( ت 505 هـ ) وحسبك وأبو القاسم الأنصاري ( ت 512 هـ ) وأبو الحسن علي الطبري الكياهراسي ( ت 504 هـ )[153]، وأضاف السمعاني في الأنساب : الخوافي ( ت 500 هـ ) والحاكم عمر النوقاني [154] ، وفي السير :  أبو عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي[155]، وأبو الحسن القيرواني الأديب[156]، وفي المنتظم : محمد بن علي الهريري[157]، وذكر السبكي : إسماعيل بن أبي صالح المؤذن ( ت 532 هـ )[158] وعبد الغافر الفاسي الحافظ ( ت 529 هـ )[159]، و سهل بن أحمد الحاكم أبو الفتح الأرغياني ( ت 490هـ ) صاحب الفتاوى المنسوبة إليه المستخرجة من كتاب "نهاية المطلب"[160]،  وأبو نصر القشيري ( ت 514 هـ ) ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري ( ت 465 هـ )[161] وقد نقل عنه إمام الحرمين في " نهاية المطلب "[162] رغم أنه تلميذه، وهذه حسنة من حسنات الإمام الجويني لتواضعه وهي أيضا من حسنات أبي نصر لبلوغه مراتب الأئمة في حياة شيوخه.
5 – مكانته العلمية وثناء العلماء عليه  
تتضح مكانة إمام الحرمين العلمية من خلال مجموعة من مصنفاته المفيدة التي تحمل من المعاني والنكت والفوائد أضعاف أحجامها، كما يظهر ذلك من خلال ما نقف عليه من ثناء أهل عصره عليه وشدة احترامهم له، وتقديرهم لعلومه التي بلغت المشرق والمغرب فحيرت عقول العقلاء، ولمناظراته التي أعجزت مشاهير الفقهاء، ولخطبه التي ألجمت كل البلغاء والفصحاء، ولما أوتيه من الأدب ما فاق به جميع الأدباء، ومن توسع العبارة ما لم يعهد عند غيره من العلماء، فلا ضير إذن أن يصفه السبكي في طبقاته على لسان عبد الغافر المقدسي قائلا : « أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب، فزاد فيها على كل أديب، ورزق من التوسع في العبارة وعلوها ما لم يعهد من غيره، حتى أنسى ذكر سحبان، وفاق فيها الأقران، وحمل القرآن فأعجز الفصحاء اللدّ[163]، وجاوز الوصف والحد، وكل من سمع خبره ورأى أثره، فإذا شاهده أقر بأن خُبْرَه يزيد كثيرا على الخبر ويُبِرّ[164] على ما عهد من الأثر.
وكان يذكر دروسا، يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، مراّ فيها كالبرق الخاطف، بصوت مطابق كالرعد القاصف، ينزف فيه له المبرزون، ولا يدرك شأوه المتشدقون المتعمقون، وما يوجد منه في كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة غيض من فيض ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه »[165].
وبما أن إمام الحرمين قد عاش في عصر كثر فيه العلماء، واشتهر فيه جمع كبير من الأئمة والأعلام الذين بلغوا المراتب العليا في العلوم، والدرجات الرفيعة عند الخاصة والعامة، فقد حضي إمامنا رحمه الله بمكانة رفيعة بين هؤلاء العلماء، وبمنزلة خاصة عند جميع معاصريه الذين شهدوا له بسبقه في شتى العلوم، واعترفوا له بعلو مكانته وسعة إدراكه وتوقد ذهنه، مما جعلهم يقلدونه رئاسة الأصحاب وزعامتهم، مع شغله مناصب مرموقة كالتدريس في النظامية والخطابة والتذكير والإمامة والأوقاف.
وإن مما يؤكد المكانة العالية التي تبوأها الجويني بين علماء عصره وأئمة وقته، ما ذكرته المصادر التي ترجمت له من تخرج جماعة من الأكابر على يديه[166] كالغزالي والكياهراسي وعبد الغافر الفارسي وغيرهم، ومن مظاهر ذلك أيضا أن المجالس قد هجرت له بعد قدومه بغداد، وانغمر ذكر غيره من العلماء، وشاعت مصنفاته وبركاته[167].
وكذلك ما نجده في تلك التراجم من نقول عن جماعة من كبار معاصريه، تشتمل على الثناء والمدح لهذا الإمام، وتحمل في طياتها عبارات التقدير والامتنان لهذا العلم الذي قل أن يوجد في أمة مثله.
فقد نقل عن القشيري أنه قال : « لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة لاستغنى بكلامه هذا عن إظهار المعجزة »[168]، وعن أبي إسحاق الشيرازي أنه قال له يوما : « يا مفيد أهل المشرق والمغرب أنت اليوم إمام الأئمة »[169]، وأضاف السبكي قوله له : « لقد استفاد من علمك الأولون والآخرون »[170] .
وقال الفيروزآبادي : تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان[171].
وقال المجاشعي : ما رأيت عاشقا للعلم أي نوع كان مثل هذا الإمام، فإنه يطلب العلم للعلم[172] .
وقال الحافظ أبو محمد الجرجاني : هو إمام عصره، ونسيج وحده، ونادرة ظهره، عديم المثل في حفظه وبيانه ولسانه. كما قال قاضي القضاة أبو سعيد الطبري، وقد قيل له إنه لقب إمام الحرمين : بل هو إمام خراسان والعراق، لفضله وتقدمه في أنواع العلوم[173].
وكان الفقيه الإمام غانم الموشيلي ينشد غيره في إمام الحرمين :
دعوا لبس المعالي فهو ثوب * * * على مقدار قد أبي المعالي[174]
كما قال محمد بن خلف بن موسى البيري في نظم له يمدح فيه الجويني :
حب حبر يكنى أبا المعالي * * * هوديني ففيه لا تعذلوني
أنا والله مغرم بهــــــــواه * * * عللوني بذكره عللونـــي[175]
وقال الذهبي وهو إمام هذا الشأن في تقصي أحوال الرجال« وكان من بحور العلم في الأصول والفروع، يتوقد ذكاء »[176].
وقد عقد مؤرخ الشافعية تاج الدين السبكي (ت 771هـ ) في طبقاته فصلا ذكر فيه شيئا من ثناء أهل عصره عليه، حيث ملأه بأقوال كثيرة لعلماء كبار، تحمل في طياتها كل عبارات التقدير والامتنان والاعتراف بمنزلة هذا الإمام الجليل[177].
6 – مؤلفاته
لقد حملت مؤلفات هذا الإمام مواضيع متنوعة في علوم مختلفة، ساهمت في إغناء الساحة الثقافية والعلمية في العالم الإسلامي قديما وحديثا، وظهرت آثارها الفكرية على من بعده من العلماء الأفاضل الأجلاء، وذلك لتنوع بضاعتها، وتوسع عبارتها، وقوة حجتها، وحسن ترتيبها وتبويبها وصياغتها في قوالب علمية جمعت بين الفقه والأصول والجدل والخلاف والتفسير والحديث، وهي كالتالي :
1 – تفسير القرآن الكريم : ذكره السيوطي في "الإتقان" 1/21 في زمرة تفاسير غير المحدثين، وحاجي خليفة في كشف الظنون 5/504، ورضا كحالة في معجم المؤلفين 6/185.
2 – البرهان في أصول الفقه : وهذا السفر هو موضوع الدراسة قال عنه السبكي في الطبقات الكبرى 5/192: « إن هذا الكتاب وضعه الإمام في أصول الفقه على أسلوب غريب، لم يقتد فيه بأحد، وأنا أسميه لغز الأمة، لما فيه من مصاعب الأمور، وأنه لا يخلي مسألة عن إشكال، ولا يخرج إلا عن اختيار يخترعه لنفسه، وتحقيقات يستبد بها، وهذا الكتاب من مفتخرات الشافعية »، وقال الزركشي: « وقد اعتنى به المالكيون : المازري، والأبياري، وابن العلاَّف، وابن المنير، ونكَّت عليه الشيخ تقي الدين "المقترح" – جد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد لأمه »[178].
وهو من الكتب التي اعتمدها الزركشي في البحر المحيط في أصول الفقه1/8، وغيره من الأصوليين المتأخرين.  
3 – التلخيص : وهو تلخيص للتقريب والإرشاد للباقلاني، ذكره الزركشي في جملة الكتب التي اعتمدها في البحر المحيط حيث قال هناك بعد أن ذكر كتاب التقريب والإرشاد 1/8: « و" التلخيص " من هذا الكتاب لإمام الحرمين أملاه بمكة شرفها الله »، وهو مطبوع في ثلاث مجلدات عن درا البشائر سنة 1996 م بتحقيق د . عبد الله جولم النيابي وشبير أحمد العمري. 
4 – التحفة في الأصول : ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 5/504.
5 – البلغة : ذكره حاجي خليفة 5/504.
6 – الورقات في أصول الفقه : وهو من أكثر المتون اعتمادا عند العلماء وطلبة العلم، وقد اعتنى به الكثير من الأئمة شرحا وتعليقا، وهي مطبوعة أكثر من مرة سواء مفردة أو مع شروحها.
7 – الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد : ذكره معظم الأئمة الذين ترجموا لأبي المعالي وذكره أيضا ابن تيمية في " الاستقامة " 1/87، وهو مطبوع.
8 – كتاب المجتهدين : وهو جزء من كتاب التلخيص غير أنه نشر مستقلا أولا، ثم نشر بعد ذلك مع التلخيص.
9 – مغيث الخلق في ترجيح القول الحق : ذكره معظم من ترجم لإمام الحرمين وهو مطبوع أكثر من مرة ؛ من بينها طبعة المكتبة العصرية وبهامشه "إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق" لمحمد زاهد الكوثري.
10 – رسالة في التقليد والاجتهاد : وهو مطبوع بتحقيق عبد العظيم الديب .
11 – نهاية المطلب في دراية المذهب : وهو من أجل كتب إمام الحرمين في الفقه، قال عنه السبكي في طبقاته الكبرى : « لم يصنف في المذهب مثلها فيما أجزم به »، وقد طبع كاملا قبل ثلاث سنوات بتحقيق الدكتور عبد العظيم الديب .
12 – مختصر النهاية : قال عنه السبكي في الطبقات الكبرى 5/172 : « اختصرها بنفسه، وهو عزيز الوقوع، من محاسن كتبه، قال هو نفسه فيه : إنه يقع في الحجم من " النهاية " أقل من النصف، وفي المعنى أكثر من الضعف »، وقال الأسنوي :« وقع لي من تصانيفه الفقهية ... بعض " مختصر النهاية " وفيه أمور زائدة على " النهاية " »[179] .
13 – مناظرة في الاجتهاد في القِبلة : ذكرها السبكي في طبقاته 5/209.
14 – مناظرة في إجبار البكر البالغة على الزواج : ذكرها السبكي في طبقاته 4/252 في ترجمته للشيرازي، وأعادها في ترجمة الجويني 5/214.
15 – السلسلة في معرفة القولين والوجهين : مطبوع، حققه ونشره عبد العظيم الديب.
16 – رسالة في الفقه : وهي رسالة صغيرة في الفقه، جمع فيها الجويني بعض أقواله وآرائه الفقهية التي تفرد بها في المذهب[180].
17 – الدرة المضية فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية : قام الدكتور عبد العظيم الديب بتحقيقه ونشره. وهذا الكتاب يشير إليه الإمام الجويني في " النهاية "، ب " مسائل الخلاف "، وقد نبه لذلك الدكتور الديب قائلا :« مسائل الخلاف : المراد بها كتاب " الدرة المضية فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية "، ويسميه "مسائل الخلاف"، لأن مبناه وطريقته على ذكر المسائل الخلافية بعنوان ( مسائل )، فيقول : مسائل القراض، مسائل الرضاع ...وهكذا، وكلما انتقل من موضع إلى موضع قال : مسألة، وهذا غير كتابه الآخر في الخلاف الذي يسميه " الأساليب "، وذلك لأنه كلما انتقل من مسألة خلافية إلى أخرى قال : " أسلوب آخر " فسمي باسم " الأساليب " »[181]. والدليل على ما قاله الديب جمع إمام الحرمين بين الكتابين في موضع واحد في " النهاية " وذلك قوله : « وقد قررنا ذلك في " الأساليب " و" المسائل "»[182]. وهذا هو الراجح وإن كان يعكر عليه قوله في وجوب العمرة : « وقد ذكرناها في مسائل الخلاف »[183]، حيث قال الديب معلقا في الحاشية : « لم يذكره في " الدرة المضية "، فهو يشعر على كتاب من كتبه الأخرى في الخلاف »، وعليه فإن ما ذكر الدكتور من أن المقصود ب " مسائل الخلاف " في " النهاية " هو نفس كتاب "الدرة المضية" لا يطرد فإن حكمه أغلبي وليس كلي، وبالتالي لا يمكن الجزم به – والله أعلم - .
18 – غنية المسترشدين في الخلاف : ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان 3/169 . والذهبي في سير أعلام النبلاء 18/475. وحاجي خليفة في كشف الظنون 5/504، وقد أشار إليه  رحمه الله غير ما مرة في " النهاية " منه قوله :« ولسنا نخوض في توجيه القولين، لأنا أحلناها على ما ذكرنا في " الأساليب " و" الغنية " »[184].
19 – الكافية في الجدل : مطبوع بتحقيق الدكتورة فوقية حسين.
20 – رسالة في أصول الدين : ذكره الدكتور محمد الزحيلي في كتابه " الإمام الجويني : إمام الحرمين " ص : 79 ضمن مصنفات الإمام.  
21 – الشامل في أصول الدين : ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان 3/168 والذهبي في السير 18/475، والسبكي في الطبقات 5/171 وحاجي خليفة 5/504 ورضا كحالة 6/186، والكتاب مطبوع أكثر من مرة.
22 – العقيدة النظامية : ذكره معظم من ترجم له، وكذا ابن تيمية في " الاستقامة " 2/97، وهو مطبوع أكثر من مرة .
23 – لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة  : ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 5/504 وقد طبع بتحقيق الدكتورة فوقية حسين سنة 1965.
24 – مسائل عبد الحق بن هارون لإمام الحرمين وإجابته عليها : ذكره الدكتور عبد العظيم الديب في آخر البرهان 2/981  ضمن كتب إمام الحرمين التي قام بتحقيقها ووعد بنشرها .
25 – ديوان خطب : ذكره السبكي في طبقاته الكبرى 5/172، وحاجي خليفة 5/504.
26 – شرح لباب الفقه للمحاملي : ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 5/405.
27 – غياث الأمم في التياث الظلم : وهو المعروف بالغياثي، وهو كتاب في الإمامة، وقد ذكره جل من ترجم لإمام الحرمين، والكتاب مطبوع، وقد أشار إليه مرات عديدة في كتاب " النهاية "، من ذلك قوله : « والقول في مصارف أموال بيت المال الكبير في هذه الفنون، يتعلق بالإيالة الكبيرة، ومن أرادها على كمالها فعليه بالكتاب " الغياثي " من مصنفاتنا »[185]. كما ذكره في البرهان أيضا 2/610.
28- الأساليب في الخلاف : ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 5/504، وقد أشار إليه الجويني في أكثر من موقع في كتابيه " البرهان " و" النهاية "، من ذلك قوله في البرهان : « والتبعيض يتلقى من غير الباء كما ذكرته في " الأساليب " »[186]، وقوله في "النهاية" : « وقد ذكرت معتمد التعيين في " الأساليب " في كتاب الصيام »[187]، وذكره كذلك المازري ( ت 536 هـ ) في شرحه للبرهان حيث قال : « وأحال بسط القول فيه على كتابه المترجم ب " الأساليب "، وهذا الكتاب الذي أشرنا إليه ذكر فيه عن قوم أن الطعم علة في الربا »[188].
29 – مدارك العقول : وهذا الكتاب أجمعت المصادر التي ذكرته على أنه لم يتمه - إلا السبكي في طبقاته 5/172 -، وبذلك يكون هذا السفر من أواخر ما ألفه رحمه الله، وقد وجدت بدر الدين الزركشي يحيل عليه في البحر المحيط حيث قال : « قال إمام الحرمين في كتاب " المدارك " وهو من أنفس كتبه »[189]، وكذلك السبكي في طبقاته الكبرى حيث قال :  « ذكر الإمام في كتابه المسمى ب " المدارك " أن الطلاق في الحيض ليس حراما، قال : وإنما الحرام تطويل العدة »[190] فلا أدري هل هو نفس المصنَّف أم أنه كتاب آخر؟
30 – التكفير والتبرؤ : ذكره في البرهان حيث قال : « والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالهين، ولنا فيه مجموع فليتأمله طالبه »[191] .
31 – العمد : ذكره إمام الحرمين في البرهان، حيث قال : « وقد أجرينا في " الأساليب " و" العمد " مسائل ... »[192]، والظاهر أن كتاب العمد في الخلاف، لأن إمام الحرمين ذكره معطوفا على "الأساليب"، ومعلوم أن هذا الأخير يصنف في خانة مؤلفاته في علم الخلاف. 
32 – كتاب في الكرامات : لم ينسب أحد من المترجمين لإمام الحرمين كتابا بهذا الاسم، وقد وردت الإشارة إليه في العقيدة النظامية حيث قال في معرض حديثه عن الكرامات : « قد كثُر خبط الناس في إثباتها ونفيها، وقد ألفت في إثباتها والرد على منكريها كتابا »[193]، فهو وإن لم يصرح بعنوان الكتاب إلا أن سياق الكلام يوحي بأن الكتاب يحمل اسم "الكرامات"، كما قد يكون ذلك منه إشارة إلى فصل أو مبحث في مصنف من مصنفاته المعروفة كما هو الحال بالنسبة للإرشاد حيث أنه عقد فصلا في إثبات الكرامة وتمييزها عن المعجزة[194]، والله أعلم.
33 – كتاب النفس : وهو كسابقه لم أجد من نسبه للإمام ممن ترجم له، وقد ورد ذكره أيضا في العقيدة النظامية، غير أن الجويني وعلى خلاف " كتاب الكرامات " قد صرح هنا باسمه حيث قال :« ولو ذهبت- أطال الله بقاء مولانا – أتكلم في الروح لطال المرام، وقد جمعت فيه كتابا سميته "كتاب النفس"»[195].

7 – وفاته
أصيب إمام الحرمين بمرض اليرقان، وبقي به أياما ثم برأ منه وعاد إلى الدرس والمجلس، وأظهر الناس من الخواص والعوام السرور بصحته وإقباله من علته، فبعد ذلك بعهد قريب مرض المرضة التي توفي فيها، وبقي فيها أياما، وغلبت عليه الحرارة التي كانت تدور في طبعه، إلى أن ضعف وحمل إلى بشتنقان، لاعتدال الهواء وخفة الماء، فزاد الضعف وبدت عليه مخايل الموت، وتوفي ليلة الأربعاء بعد صلاة العتمة، الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وصلى عليه ابنه الإمام أبو القاسم بعد جهد جهيد، حتى حمل إلى داره من شدة الزحمة وقت التطفيل[196]، ودفن في داره[197]،ثم نقل  بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب أبيه[198]، وكان عمره تسعا وخمسين سنة، وآثاره في الدين باقية، وإن انقطع نسله ظاهرا، فنشر علمه يقوم مقام كل نسب[199].
ومما رثي به الإمام أبو المعالي :
قلوب العالمين على المقالي * * * وأيام الورى شبه الليـــــالي
أيثمر غصن أهل العلم يوما * * * وقد مات الإمام أبو المعالي[200]


[1]  - تجد له ترجمة في : الأنساب للسمعاني 6/129-130. والمنتظم لابن الجوزي 16/244-247. واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير الجزري 1/315. والكامل في التاريخ لابن الأثير 8/301. ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/167-169. وتاريخ الإسلام للذهبي (وفيات 471-480) ص : 230-239. وسير أعلام النبلاء 18/468-477. وتاريخ ابن الوردي 1/370-371. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/165-191. وطبقات الشافعية للأسنوي 1/409-411. وطبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/466-470. والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة للأتابكي 5/121. وشذرات الذهب لابن عماد الحنبلي 4/56-59.
[2]  - أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية (438 هـ)، والد إمام الحرمين، تفقه بنيسابور على أبي الطيب الصعلوكي، وبمرو على أبي بكر القفال، وتصدَّر بنيسابور للفتوى والتدريس والتصنيف، وكان مجتهدا في العبادة، صاحب جد وصدق وهيبة ووقار. ( العبر في خبر من غبر 2/274 ). 
[3]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/165.
[4]  - وفيات الأعيان لابن خلكان 3/167-168.
[5]  - تجد هذا التاريخ في : طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/168. وطبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/467. وطبقات الشافعية للأسنوي 1/409. ووفيات الأعيان 3/169. وسير أعلام النبلاء 18/468. وتاريخ الإسلام للذهبي (471-480) ص : 230. ومعجم المؤلفين لرضا كحالة 6/185. أما في المنتظم لابن الجوزي 16/244. والكامل في التاريخ لابن الأثير 8/301. والنجوم الزاهرة 5/119. فنجد أن مولده سنة 417هـ.
[6]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/168-169.
[7]  - طبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/467. وتاريخ الإسلام (471-480) ص :230.ووفيات الأعيان 3/168.
[8]  - طبقات الشافعية للأسنوي 1/409.
[9]  - طبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/467. وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/170. وتسمى هذه الفتنة بفتنة الكندري، وذلك سنة 445هـ حيث تم لعن الأشعري على المنابر بإيعاز من الكندري وزير السلطان طغرلبك، أنظر : المنتظم 15/340.والنجوم الزاهرة 5/56.
[10]  - في طبقات الشافعية للسبكي 5/176 : ثم خرج إلى الحجاز، وجاور بمكة أربع سنين يدرس ويفتي ... إلخ.
[11]  - سير أعلام النبلاء 18/469-470.
[12]  - شذرات الذهب 4/57.
[13]  - سير أعلام النبلاء 18/470.
[14]  - وفيات الأعيان 3/168.
[15]  - المنتظم 16/245.
[16]  - شذرات الذهب 4/57.
[17]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/177.
[18]  - وفيات الأعيان 3/168.
[19]  - طبقات الشافعية للأسنوي 1/410.
[20]  - زعق زعقا :صاح ( المعجم الوسيط 1/394).
[21]  - نعر نعرا، ونعيرا، ونُعارا : صاح وصوَّت بخيشومه.( المعجم الوسيط2/934).
[22]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/180.
[23]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/168-169.
[24]  - طبقات الشافعية الكبرى 5/169.
[25] - تاريخ ابن الوردي 1/371 .
[26] - الغياثي ص : 162 .
[27] - الغياثي ص : 200 .
[28] - وانظر الغياثي ص : 243-247-275 وغيرها .
[29] - الدَّرَْك: بفتح الراء وسكونها، اسم مصدر من الإدراك. ويطلق أيضا على أسفل كل شيء ذي عمق، يقال: بلغ الغواص درك البحر( أنظر المعجم الوسيط 1/281 ).
[30] - الغياثي ص : 283 .
[31] - الغياثي ص : 286 .
[32]  -  الوضَر : الدرن والدسم والوسخ من الدسم وغيره. ( المعجم الوسيط 2/1039).
[33]  - نفر من الشيء نفورا ونِفارا : فزع وانقبض غير راض به( المعجم الوسيط 2/939).
[34]  - نخر نخرا ونخيرا : صوت بخياشيمه، والنخير  : الصوت بالأنف. ( المعجم الوسيط 2/908-909).
[35]  - ارْجَحَنَّ : ثقُل ومال واهتز ( المعجم الوسيط 1/330).
[36] - الغياثي ص : 407 وانظر ص : 440-441 .
[37] - الغياثي ص : 412 .
[38] - الغياثي ص : 296 .
[39] - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/186 .
[40]  -  الخطل : الكلام الفاسد الكثير المضطرب ( المعجم الوسيط 1/245).
[41] - الغياثي ص : 296 -297 .
[42]  - مغيث الخلق في ترجيح القول الحق لإمام الحرمين : 104.
[43] - الغياثي ص : 297 .
[44]  -  سحبان : إسم رجل من وائل، كان لسنا بليغا، يضرب به المثل في البيان والفصاحة، فيقال : أفصح من سحبان وائل، قال بن بري : ومن شعر سحبان قوله : لقد علم الحي اليمانون أنني *** إذا قلت أما بعد أني خطيبها ( لسان العرب لابن منظور 1/461). ومن الأمثلة التي اشتهرت عند العرب قولهم : " أنطق من سحبان ومن قس بن ساعدة " ( مجمع الأمثال 3/414). وله ترجمة في الإصابة 3/206 تحت رقم 3677. 
[45] - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/174-175 .
[46] -شذرات الذهب 4/57 .
[47] - وفيات الأعيان لابن خلكان 3/168 .
[48]  - القشيري ( ت 465 هـ ) : عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصوفي الزاهد، شيخ خراسان، وأستاذ الجماعة، ومصنف الرسالة، قال أبو سعد السمعاني : لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة ( أنظر العبر 2/319 وسير أعلام النبلاء 18/227 ).
[49] - السبكي 5/174 .
[50] - شذرات الذهب 4/57 والمنتظم 16/245 ووفيات الأعيان 3/168 وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/173 .
[51] - ما سيأتي نقلا عن عبد العظيم الديب 131 و132 من مقدمة تحقيقه للغياثي.
[52] - الغياثي ص : 440- 441 .
[53] - انتهى النقل عن عبد العظيم الديب ص : 132 من مقدمة تحقيقه للغياثي .
[54]  - مقدمة تحقيق الغياثي للديب ص : 132 وما بعدها .
[55] - مقدمة تحقيق الغياثي للديب ص : 139 .
[56] - أنظر الغياثي ص : 407-408.
[57]  - أنظر البرهان 2/961-967.
[58]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/192.
[59]  - رصَف الحجارة في البناء: ضم بعضها إلى بعض، ويقال: رصف قدميه إ ضم إحداهما إلى الأخرى، ورصِف رصَفا: انضم بعضه إلى بعض (المعجم الوسيط 1/339).
[60]  - الغياثي ص : 164.
[61]  - الغياثي ص : 164.
[62] - الغياثي ص : 266 .
[63]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/175.
[64]  - شذرات الذهب 4/56.
[65]  - سير أعلام النبلاء 18/471.
[66]  - شذرات الذهب 4/57.
[67]  - البرهان 1/137.
[68]  - البرهان 1/162.
[69]  - البرهان 2/760.
[70]  - البرهان 2/764.
[71]  - البرهان 2/851.
[72]  - البرهان 1/195.
[73]  - الماوردي ت 450 هـ : أقضى القضاة، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنف "الحاوي" و" الإقناع" و" أدب الدنيا والدين " وغير ذلك، وكان إماما في الفقه والأصول والتفسير، بصيرا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة.( العبر 2/296).
[74]  - الغياثي : 205-206، وينتقده أيضا في ص : 140-141-155-189.
[75]  - الغياثي : 23.
[76]  - الغياثي : 223-224.
[77]  - الإمامية: هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، نصّا ظاهرا ، وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالتعيين، قالوا : وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام ... ثم إن الإمامية تخطَّت هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعنا وتكفيرا، وأقله ظلما وعدوانا. ( الملل والنحل للشهرستاني : 179-181). وقال أبو الحسن الأشعري في " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " 1/33-34 :( وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلُّوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف ... وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب ) . وأنظر الفرق بين الفرق ص : 27 وما بعدها، وتلبيس إبليس ص : 87 وما بعدها.
[78]  - الغياثي : 97.
[79]  - غَرَّ الرجل غَرارة وغِرّة : جهِل الأمور وغفل عنها فهم غِر ( المعجم الوسيط 2/648).
[80] - الغياثي ص : 219-220 .
[81] -  الغياثي ص : 228-229 .
[82]  - حرِز حرَزًا : اشتد ورعه واحترز منه توقاه ( المعجم الوسيط 1/166).
[83]  - المِحْجم والمحجمة : القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة ( المعجم الوسيط : 1/185 ).
[84] - البرهان 2/785 وانتظر الغياثي : 219 . ومغيث الخلق : 103.
[85] - الطرق الحكمية : 126 .
[86] - الغياثي : 287 .
[87]  - الطرق الحكمية : 281.
[88]  - البرهان 1/295.
[89]  - هكذا.
[90]  - البرهان 2/892-893. وأنظر تعليق الدكتور الديب مبررا ومعتذرا لقول الجويني .
[91]  -  قال الدكتور عبد العظيم في البرهان 2/493 في هامش التحقيق : وإلا فهناك احتمال قائم أن مثل هذا الكلام مدسوس على إمام الحرمين وأنه لم يقله، وأسأل الله أن يعيننا على تحقيق هذه المسألة، حتى نجمع شواهدها وأدلتها، وكم أكون سعيدا لو اجتمع لدي ما أبطل به نسبة هذا الكلام إلى إمام الحرمين، وكذلك نسبة ذلك الكتيب المعروف باسم " مغيث الخلق في اتباع الحق"، وإخالني سأتمكن من ذلك إن شاء الله، فالشواهد موجودة، ولكنها تحتاج إلى بحث، وجمع وتمحيص ووزن. انتهى . قلت : وقد توفي الدكتور عبد العظيم الديب دون أن يتم المشروع الذي وعد به، فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
[92]  - الفوراني ت 461 هـ : العلامة كبير الشافعية، أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن فوران المروزي الفقيه، صاحب أبي بكر القفال. له المصنفات الكبيرة في المذهب، وكان سيد فقهاء مرو. ( سير أعلام النبلاء 18/264. وانظر العبر في خبر من غبر 2/311 ).
[93]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 2/576-577.
[94]  -  نهاية المطلب 2/359-360.
[95]  - وفيات الأعيان 3/132.
[96]  - العبر في خبر من عبر 2/311.
[97]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/110.
[98]  - سير أعلام النبلاء 18/265.
[99]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 2/40.
[100]  - البرهان 2/892-893.
[101]  - وقد استنكر القرافي ما نسبه الجويني وغيره إلى الإمام مالك من جواز قتل ثلث الأمة لصلاح الثلثين، فقال:« المالكية ينكرون ذلك إنكارا شديدا، ولم يوجد ذلك في كتبهم، إنما هو في كتب المخالف لهم، ينقله عنهم – أي إمام الحرمين -، وهم لم يجدوه أصلا » - نفائس الأصول في شرح المحصول 9/4092.
[102]  - نهاية المطلب في دراية المذهب . المقدمات / 57-58.
[103]  - البرهان 1/96.
[104]  - البرهان 1/378.
[105]  - البرهان 1/226.
[106]  - البرهان 1/428.
[107]  - غَيِد غَيَدا : تمايل وتثنى في لين ونعومة، فهو أغيد ، وهي غيداء ( المعجم الوسيط 2/667 ).
[108]  - شَنَّف كلامه : زينه ( المعجم الوسيط 1/496).
[109]  - القُرْط : ما يعلُّق في شحمة الأذن من در أو ذهب أو فضة أو نحوها ( المعجم الوسيط 2/727).
[110]  - الدُّرَّة : واحدة الدر، وهي اللؤلؤة العظيمة، ج درر ( المعجم الوسيط 1/279).
[111]  - الغياثي : 289.
[112]  - شدا شدْوًا من الأدب أو العلم : حصَّل منه طرفا ( المعجم الوسيط 1/476).
[113]  - كاس الولد كيسا وكياسة : عقَل، والكياسة : تمكن النفوس من استنباط ما هو أنفع ( المعجم الوسيط 2/807).
[114]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/180.
[115]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/185.
[116]  -  سير أعلام النبلاء 18/471.وتاريخ الإسلام (471-480) ص : 232 و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/185.. وطبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/468.
[117]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/179.
[118]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/185.
[119]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/185.
[120]  - وفيات الأعيان 3/168.
[121]  - تاريخ الإسلام (471-480) ص : 230.
[122]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/165. والآية 164 من سورة الصافات :
[123]  - سير أعلام النبلاء 18/476.ووفيات الأعيان 3/168.
[124]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/174-175.
[125]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/167.
[126]  - شيخ القراء أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد النيسابوري الخبازي، حدث بصحيح البخاري عن الكُشمِيهني، رواه عنه الفراوي ... قال ابن نقطة : قال عبد الغافر : شيخ نبيل، مشاور في فهم الأمور، مبجل في المحافل، عارف بالقراءات، توفي في رمضان سنة تسع وأربعين وأربع مئة (سير أعلام النبلاء 18/44-45).
[127]  - طبقات الشافعية الكبرى 5/170.
[128]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/179.
[129]  -  الأنساب للسمعاني 6/130.
[130]  - الفتاوى 6/52.
[131]  - تاريخ الإسلام للذهبي ( 471-480) ص : 232.
[132]  - سير أعلام النبلاء 18/471.
[133] - هو أبو عبد الرحمان معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى الجَنَد من اليمن، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم، وفي حديث أبي قلابة عن أنس عند الترمذي وغيره في ذكر بعض الصحابة مرفوعا : ( وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ )، ومناقبه كثيرة جدا ؛ مات سنة ثمان عشرة في الطاعون.( أنظر ترجمته في : الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 3/1402-1405 رقم : 1416، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/107-109 رقم:8055 وتهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي 7/137 رقم : 6613 ، والطبقات الكبرى لابن سعد 3/437 برقم 302 وأيضا 7/271 برقم : 3695).
[134]  -  رواه أبو داود في سننه، كتاب القضاء، باب اجتهاد الرأي في القضاء برقم (3592 ). والترمذي، كتاب الحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، برقم : ( 1327)، وقال هناك : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل /انتهى. وقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ص: 287، قلت : والحديث كما ذكره إمام الحرمين إنما هو بالمعنى دون اللفظ، وكثيرا ما يفعل إمام الحرمين ذلك في كتبه، حيث لا يلتزم بلفظ الحديث، ذلك لكونه يرى جواز رواية الحديث بالمعنى كما قرر ذلك في البرهان 1/420.
[135]  - البرهان 2/505-507..
[136]  - قال إمام الحرمين في البرهان 1/304 عن هذا الحديث : « هذا لم يصححه أهل الحديث ». وفي التلخيص 2/192-193 : «إن الخبر الذي رويتموه ضعيف غير مدون في الصحاح !».
[137]  - قال الباقلاني في التقريب والإرشاد 3/344 : « وأما تعلقهم بما روي عنه من قوله صلى الله عليه وسلم : " والله لأزيدن على السبعين " فلا تعلق فيه من وجوه : أحدهما : إن هذا الخبر من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها، فلا حجة فيه ».
[138]  - قال الغزالي في المستصفى 2/195: « هذا خبر واحد لا تقوم به الحجة في إثبات اللغة والأظهر أنه غير صحيح ) أنظر تعليق ابن حجر في فتح الباري 8/38 على منكري الحديث، حيث قال هناك: ( وهذا ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع عليه».
[139]  - رواه البخاري كتاب التفسير / باب قوله تعالى : { استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}، برقم ( 4670) عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن ابن عباس  عن عمر رضي الله عنه برقم ( 4671 ). ومسلم كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل عمر، عن ابن عمر رضي الله عنهما برقم ( 2400 ). ورواية البخاري هي : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله  صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ن فقال : " يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما خيرني الله فقال : { استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة }. وسأزيده على السبعين ).قال : إنه منافق، قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
[140]  - هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول وهو رأس المنافقين، توفي سنة تسع من الهجرة كما ذكر الذهبي في العبر 1/10.
[141]  - التوبة الآية : 80.
[142]  - البرهان 1/416.
[143]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/10-11.
[144] - انتهى كلام القرضاوي من "نهاية المطلب في دراية المذهب " المقدمات /53-55.
[145]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/187 ومابعدها.
[146]  - الغياثي : 105.
[147]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 2/188.
[148]  - البرهان 1/415-416.
[149]  - استقصيت شيوخه من المصادر التالية : سير أعلام النبلاء 18/469-470. وتاريخ الإسلام  للذهبي ( 471-480) ص : 230-232. وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/110-170-171-179 ووفيات الأعيان 3/132. 
[150]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/179.
[151]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/176 بتصرف.
[152]  - سير أعلام النبلاء 18/476.
[153]  - تاريخ ابن الوردي 1/371.
[154]  - الأنساب للسمعاني 6/129.
[155]  - سير أعلام النبلاء 18/469.
[156]  - سير أعلام النبلاء 18/474.
[157]  - المنتظم لابن الجوزي 16/246.
[158]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/171.
[159]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/188.
[160]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/391.
[161]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/162.وقال السبكي هناك : « وأعظم ما عظم به أبو نصر أن إمام الحرمين نقل عنه في كتاب الوصية من " النهاية " وهذه مرتبة رفيعة ».
[162]  - قال إمام الرحمين في " النهاية " 11/201 : « هذا القدر من كلام الشيخ الإمام أبي نصر القشيري – رحمة الله عليه – ثم لم يذكر رضي الله عنه وجه الصواب في الحساب » قال الدكتور عبد العظيم معلقا : هذا الترحم من الناسخ وإلا فإن أبا نصر توفي – كما ترى – بعد إمام الحرمين .قلت : ووفاته كانت سنة 514 هـ.
[163] - اللَّدَد : أي شديد الخصومة، وقوم لُدّ . ( مختار الصحاح 595 ).
[164]  - يبر على ما عهد من الأثر : أي يزيد ويعلو، وهو بضم الياء ( طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/183 ) .
[165]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/174-175.
[166]  - المنتظم 16/245.
[167]  - شذرات الذهب 4/57.
[168]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/174.
[169]  - المنتظم 16/245. ووفيات الأعيان 3/168. وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/173. وشذرات الذهب 4/57.
[170]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/172.
[171]  - سير أعلام النبلاء 18/470. وطبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير 2/468. ونسب كل من السبكي في طبقاته 5/172 وابن عماد في الشذرات 4/57 هذا القول لأبي إسحاق الشيرازي.
[172]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/180..
[173]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/173.
[174]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/173.
[175]  - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 3/353.
[176]  - مختصر العلو للعلي الغفار ص : 277.
[177]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/172-179.
[178]  - البحر المحيط 1/8، هكذا ورد في النص المطبوع، ولعل الصواب هو:«ونكت عليه الشيخ تقي الدين صاحب "المقترح" جد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد لأمه»، فهكذا أثبته محققا "التلخيص" من المخطوط، أنظر مقدمة تحقيق التلخيص 1/55-56.
[179]  - طبقات الشافعية للسنوي 1/411.
[180]  - العقيدة النظامية : مقدمة المحقق ص : 99.
[181]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 15/370، حاشية المحقق عبد العظيم الديب رحمه الله.
[182]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 15/141.
[183]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 4/167.
[184]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 19/33، وانظر : 5/95 و7/349.
[185]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 2/64. وانظر 1/197 و2/519 و17/132-344-399 و18/583.
[186]  - البرهان 1/136، وانظر :1/310 – 363 و2/538-539-622-685.
[187]  - نهاية المطلب في دراية المذهب 2/117، وانظر : 1/290-291 و2/322-459 و3/374 و5/72-77-95-108-208-221-394 و6/8-156-243-517 ..إلخ فالكتاب مذكور في جل أجزاء "النهاية"تقريبا.
[188]  - إيضاح المحصول من برهان الأصول : 348.
[189]  - البحر المحيط 1/12.
[190]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/219.
[191]  - البرهان 1/462.
[192]  - البرهان 1/363.
[193]  - العقيدة النظامية : 227.
[194]  - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: 129.
[195]  - العقيدة النظامية : 247.
[196]  - طفَلت الشمس طَفْلا وطفولا : مالت للغروب، والطَّفَل : الوقت قبيل غروب الشمس، أو بعد العصر إذا طفلت الشمس ( المعجم الوسيط 2/560)
[197]  - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/180-181 بتصرف.
[198]  - تاريخ ابن الوردي 1/371.
[199]  - شذرات الذهب 4/58.
[200]  - وفيات الأعيان 3/170، وتاريخ ابن الوردي 1/371، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/182، إلا أنه قال في الشطر الأول من البيت الثاني:  أيثمر غصن أهل الفضل يوما . 

الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى