إعلان أفقي

الجمعة، 7 يونيو 2013

الصراع العلماني الإسلامي في المغرب

Posted by mounir  |  at  يونيو 07, 2013

إن أهم ما يميز الساحة المغربية في الآونة الأخيرة هي تلك الحرب الضروس التي اشتد وطيسها بعد أن ظلت في العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة حبيسة الجامعات والكليات فيما يمكن أن نطلق عليه حربا باردة بين الإسلاميين والعلمانيين.
وكما هو الحال بالنسبة لمثل هذا النوع من الحروب فإن الخصمين لا يقويان على مواجهة بعضهما البعض مواجهة صريحة فيلجآن إلى الحيلة والمكر والخديعة مع ترميم الصفوف واستجماع القوة والاستعداد للقاء المرتقب المحتوم.
ونحن حينما نتكلم عن الصراع المغربي بين هذين المنهجين المتباينين فإننا لا يمكن أن نخرجه عن سياقه التاريخي والإقليمي حيث سادت هذه الحالة جميع المجتمعات الإسلامية بدون استثناء لكن لكل بلد خصوصياته، فمصر على سبيل المثال قد قطعت أشواطا متقدمة في هذا الصراع في حين لا تزال بلدان أخرى كالسعودية واليمن تسير في خطى بطيئة شيئا ما – مقارنة مع  غيرها – نظرا لسيادة التقاليد والعادات والأعراف التي لا تقبل نوعا معينا من التفكير الذي يتعارض مع ما هو سائد في المجتمع.
ومع أن الفكرين الإسلامي والعلماني في كل مكان وزمان يحملان تقريبا نفس الأفكار المتباينة والمتعارضة بل والمتناحرة أحيانا، فإن ظروفهما الاجتماعية والإعلامية بشكل خاص تتحكم في مدى شراستهما في مواجهة بعضهما البعض، فإذا كانت المعركة في مصر - حيث تتقارب موازين القوى عموما- قد بلغت أوجها وخرجت من صمتها المطبق إلى وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فإنها في بلدان الخليج المذكورة آنفا لا تتعدى بعض المناوشات الفكرية والإيديولوجية المحسوبة والحذرة، فإذا كانت أصوات العلمانيين في مصر تصل إلى حد المطالبة بفصل الدين عن الحياة العامة، فإنها في البلدين الآخرين السالفي الذكر تفرح بمجرد ظهور امرأة محلية في وسائل الإعلام أو نشرة الأخبار أو قيادة سيارة باعتبارها إحدى أبجديات علمنة البلدان الإسلامية...
فإذا ما وصلنا إلى الحالة العامة السائدة في المغرب نجد أنه يعيش حالة خاصة ونموذجا فريدا لاعتبارات تاريخية وإقليمية وسياسية، حيث إن الخطاب الديني كان ولا يزال مغيبا في الحياة العامة للمغاربة – طبعا إذا ما قورن بدول أخرى كمصر والخليج – حيث عشنا فترة طويلة من الزمن مع  برنامج ديني واحد ووحيد هو ركن المفتي – قبل إزالته طبعا – مع ما عليه من مؤاخذات وانتقادات آنذاك، قبل أن تعود البرامج الدينية في شكلها الجديد عبر قناة حكومية لا تستقطب الكثير من المشاهدين نظرا لرداءة عرض برامجها وموادها الإعلامية.
وسبب هذا التغييب في نظر الكثيرين هو أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها قد تعرضت لاختراق كامل وكلي من جهات علمانية علمت أن  الإعلام في عصرنا الحديث بمثابة جبل الرماة في غزوة أحد، فمن تسلقه واستولى عليه ربح المعركة وفاز بقلوب الناس وغسل أدمغتهم وصيرهم وفق ما يشتهيه ويهواه، لذلك كنا ولازلنا نرى في قنواتنا الرأي والرأي الموافق فقط، الذي يفصل الدين ويخيطه على مقاييس مختلفة تخدم إيديولوجيته التي يدين بها كمرحلة انتقالية لفصل الدين عن حياة الناس وعلمنتهم فكريا ووجدانيا بدون أن يعلموا بذلك.
ولئن كان العلمانيون بمالهم وعتادهم وعددهم قد استعملوا وسائل الإعلام بقوة في شيطنة خصومهم وبث سمومهم، فإن نظراءهم من الإسلاميين قد أغفلوا في السنوات الماضية هذا الجانب وتركوا الجبل لمخالفيهم ويمموا باتجاه قاعدة المجتمع للدعوة إلى الله في المساجد والمنازل والحافلات... بواسطة الأشرطة والرسائل والكتيبات... وظل الأمر على ما هو عليه سنوات وسنوات، هؤلاء بإعلامهم المرئي خاصة يفرحون ويمرحون وفي عفة الأمة وأخلاقها ينخرون، والآخرون يدعون ويعظون وفيما أفسد الإعلام يرممون، حتى ظهرت بوادر المشاركة الإسلامية في العمل السياسي وآمنت بعض الجماعات الإسلامية بأن الإصلاح المنشود يأتي من قبة البرلمان عبر منابذة القوم في عقر دارهم، وإزالة البساط من تحت أقدامهم، فتفرق المتفرق وتشتت المتشتت وزادت الهوة بين الحركات الإسلامية، ووقع التفسيق والتبديع والتنفير، وفرح العلمانيون بهذا التشرذم واستجمعوا قواهم ، ووطنوا أنفسهم، وقووا شوكتهم، وحرصوا على بث أفكارهم في الجامعات والمؤسسات التعليمية، فباضوا هناك وفرَّخوا، وربوا أجيالا لا تعرف استخدام العقل إلا في رد ومعارضة دين رب العالمين، فكثر عددهم واشتد ساعدهم، وأصبحت كلمتهم مسموعة، وأصواتهم في وسائل الإعلام غير ممنوعة، ولبسوا لباس الوعاظ، وتباكوا على حقوق الفقراء والمساكين، واستغلوا الظلم الحاصل في المجتمع، وأحسنوا توظيف الأوضاع الاجتماعية المزرية للأطفال والنساء في خدمة مآربهم وخططهم، فأسسوا الجمعيات، وحققوا الكثير من الأمنيات، وصنعوا مجدهم على معاناة البؤساء من العمال، فقويت دولتهم واستعرضوا عضلاتهم وصوبوا سهامهم اتجاه عدوهم اللذوذ – المتدينين – وأثاروا الرأي العام ضدهم عبر السينما والفن والكاريكاتور والنكت الهزلية ...، فشككوا في إسلامهم – المتأسلمين -، وقدحوا في مرجعيتهم – فسموا القرآن والسنة والفقه موروثات – وأصبحوا أكثر جرأة في الطرح من ذي قبل.
ثم وقعت التفجيرات الآثمة قبل عشر سنوات، فكان وقعها كوقع ضربة المروحة في تاريخ الجزائر الحديث، حيث استغلت أسوأ استغلال لضرب المتدينين وقمعهم وترهيب الناس منهم، وتكميم أفواههم وإسكات أصواتهم وتجفيف أقلامهم ومنابعهم وحصر دعوتهم والزج بهم في السجون باسم الحرية وحقوق الإنسان، فكان ما كان، وعرف المغرب أسوأ سنوات التغريب بعد الاستعمار، وأغلقت دور تحفيظ القرآن، وضيق على الكثير من الدعاة ومنعوا من أداء مهمتهم الربانية والكونية في الدعوة إلى الله، ومورست أشكال مختلفة من الضغط النفسي على أبناء الحركات السياسية الإسلامية، وسجن العلماء وتكلم السفهاء، وأثيرت قضايا علمية لا يفهمها ولا يدرك حقيقتها كثير من طلبة العلم فضلا عن من أثارها من الإعلاميين الحاقدين، كزواج الصغيرة وختان البنات وإمامة المرأة والاختلاط في المساجد ورضاع الكبير ...، بالإضافة إلى استغلال بعض الآراء العلمية الشاذة من هنا وهناك، فشيطن الإسلاميون وشوهت صورتهم، الشيء الذي شكل عند بعضهم – الأحزاب السياسية بشكل خاص – عقدة نفسية من القضايا الفقهية التي تثار بين الفينة والأخرى، حيث أصبحوا يظاهرون العلمانيين في بعض آرائهم ويوافقونهم في بعض مذاهبهم توددا وتزلفا لهم بعد أن تركوا شعارهم الخالد: "الإسلام هو الحل"، وما قضية حكم المرتد عنا ببعيد.
ثم مرت بضع سنوات كبر فيها أفراخ العلمانيين ممن ارتادوا الجامعات، وأصبحوا أساتذة في الثانويات والكليات حتى الإسلامية منها، وصاروا كتابا مرموقين في مختلف الصحف والمجلات، في الوقت الذي انشغل فيه الإسلاميون بتحسين الصورة ودفع الشبهات مع التملق للسلطة السياسية الحاكمة في محاولة لإرجاع الثقة المفقودة من جديد.
ولما اعتقد الجميع أن زمن الإسلاميين قد ولى وفات، جاءت الانتخابات الأخيرة بحكومة جذورها إسلامية وبرنامجها السياسي حداثي لا يختلف عن برامج غيره من الأحزاب السياسية إلا في بعض الجزئيات – كالبنوك الإسلامية و تخليق الإعلام على سبيل المثال- فثارت حفيظة العلمانيين واشتعل رأسهم شيبا، واشتدت حميتهم، وكشروا على أنيابهم وبينوا حقيقة أمرهم وأعلنوا عداوتهم للإسلام عقيدة وشريعة وحكما، مستغلين بذلك الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم خاصة فيما يتعلق بالجرائد الإليكترونية – هيسبريس ، ولكم ... نموذجا – فأصبحت المواضيع التي كانت تثار في أروقة الجامعات سابقا تنشر في هذه المواقع ليشارك أصحابها جماهير القراء من مختلف المذاهب والأفكار، مما جعل هذا النوع من الجرائد مرتعا خصبا وسببا رئيسا في نشوب حرب إعلامية علمانية إسلامية انتقلت من السر إلى العلن، وتجاوزت في إيديولوجياتها ومخططاتها الحروب الباردة لتدق طبول الصراع العلني عبر المواقع السالفة الذكر في انتظار أن يتحول هذا الصراع بحدته هاته إلى وسائل الإعلام المرئية وإن كان هذا الأمر مستبعدا حاليا في ظل غياب قنوات مرئية مستقلة.

شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى