إن أهم ما يميز الدول المتخلفة عن غيرها من بلدان العالم هو ذلك التناقض الصارخ الذي تشهده الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية والعلمية والإعلامية والدينية ...، حيث يسند الأمر إلى غير أهله ويلبس الذئب عباءة الواعظين ويحرس القطيع من غدر الغادرين، ويركب دعاة الفساد على ظهور المصلحين، فتجد اللص السارق يدبر ملفات وزارة المالية، والقاتل المأجور على رأس هرم الداخلية، ومصاصي الدماء يتناوبون على كرسي الصحة، والجلادون ينادون بتطبيق حقوق الإنسان وضمان كرامة الأقلية، والسجانون يدعون إلى الحرية، والعلمانيون على رأس المؤسسات العلمية والدينية ...، كل يعمل من جهته على إصلاح الوطن والسير به قدما نحو التخلف...
وبما أننا في المغرب لازلنا نسير إلى الوراء ونتنافس على ريادة العالم وقيادته من الخلف، فإن من أهم سيمات الحياة في بلادنا الحبيب أنها بلد المتناقضات، تتميز بما تتميز به مثيلاتها من الدول السائرة في طريق التخلف، فلا نستغرب مثلا إذا ما وجدنا حميد شباط يلبس لباس الدين، ويستدل بكلام رب العالمين وحديث أشرف المرسلين، ويكبر ويهلل ويصرخ ويكفر ويدافع عن كلمة التوحيد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر...
وإني لا أستغرب ولا أستنكر ذلك منه، لأن هذا حق من حقوقه كمسلم، لكن العجب كل العجب، والتناقض كل التناقض أن يصدر ذلك من شخص يتهم خصومه بالمتاجرة بالدين حين يستخدمونه في خطاباتهم السياسية من أجل استقطاب جماهير المسلمين، ثم يأتي هو نفسه ليلقي خطبة على رؤوس الأشهاد ينعت فيها مخالفيه – تلميحا من دون تصريح - بالمغضوب عليهم تارة والضالين تارة والمنافقين تارة أخرى، ثم يكبر ليكبر الحضور خلفه وكأنه في صلاة العيد أو خطبة جمعة، بل وكأننا أمام دعوة عامة إلى الجهاد والنفير... أليس في ذلك متاجرة بالدين واستغلال له في أغراض سياسية، ماذا لو كان صاحب هذا الخطاب بألفاظه وحماسته وسخونة عبارته ورعونته أحيانا وشدة لهجته رجلا ينسب إلى التيار الإسلامي ؟، ألن تكون الانتقادات لاذعة ، والهجمات شرسة لأنه بزعمهم تاجر بالدين ؟، أما وأن الرجل على رأس حزب غير إسلامي – بالمعنى السياسي للكلمة - فإن هذا الخطاب سيمر كغيره من المتناقضات التي نعيشها في بلدنا الحبيب بلد المتناقضات.حيث يتجلى التطبيقي العملي للميكيافيلية الوصولية، واللامذهبية المصلحية الإقصائية في أبهى صورها.
ملاحظة: تم نشر هذا المقال في الموقع الإخباري لكم كوم بتاريخ 9 ماي 2013
الكاتب
المشاركات
0 التعليقات: