إعلان أفقي

الأربعاء، 22 أبريل 2020

الرد الوافي على مقالات أحمد كافي حول الردة / الجزء الثاني

Posted by mounir  |  at  أبريل 22, 2020


الجزء الثاني
ــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وبعد:
قال الشيخ عبد الله بن بيه معلقا على كتاب " لا إكراه في الدين " لطه جابر العلوان ص: 192: ( إني أخشى أن تخضع مقولاتنا لعوامل الضغط الحضاري، لنرمي ريشنا كلما هبت ريح زعزع من الغرب أو من الشرق، ونغير ثوابتنا )
أولا: خلاصة ما تضمنه هذا الجزء من نتائج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ محل النزاع حول المرتد الذكر، وليس المرتدة الأنثى ولا المنافق.
ـ يستحيل عقلا أن ينفرد أهل هذا العصر بالحق دون الجيل الأول المشهود له بالخيرية.
ـ القول بنفي حد الردة، قول حادث، ليس لأصحابه سلف.
ـ هذا الرأي تسلل إلى الثقافة الإسلامية من بعض القرآنيين عن طريق مدرسة محمد عبده ومحمد رشيد رضا.
ـ " أحمد كافي " مجرد ناقل لكلام أصحاب هذا الرأي الحادث، لكنه افتقد حس الأمانة العلمية التي تقتضيها الدراسات المماثلة، حيث لم يعز الأقوال إلى أصحابها، وأوهم القراء بسبقه في الاستدلال بالآيات القرآنية في الموضوع.
ثانيا: التفاصيل
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ تحرير محل النزاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق وأن قمت في الجزء الأول من هذه السلسلة بتحرير محل النزاع، وأجملت العبارة واختصرتها حتى لا يطول الكلام، لكنني وجدت نفسي مضطرا للبيان مرة أخرى فأقول:
ينحصر محل النزاع بيننا في حكم المرتد ـ أي الرجل وليس المرأة ـ ، وهو المسلم الذي أعلن تركه للإسلام عن طواعية، لا عن الكافر الأصلي، ولا عن المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر دون إظهار ما يدل على باطنه.
أما المرأة، فالخلاف فيها حاصل، والحكم واسع، ويحتمل الرأي والرأي الآخر.
2 ـ السؤال المشروع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حد الردة حد قطعي ثابت بالسنة النبوية، وإجماع العلماء منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، مع إشارات قرآنية غير قطعية فهم منها بعض المفسرين أن المقصود بها إيقاع العقوبة الدنيوية على المرتد، وهي للاستئناس فقط، وليس عليها التعويل في مقام الاستدلال.
فإذا كان الأمر كذلك، فالسؤال المشروع ليس حول حكم المرتد، لأن الحدود لا تتبدل ولا تتغير، بل حول إيقاع الحد في زمن فشا فيه الجهل حتى بأبجديات الشريعة، في وقت أصبحنا نُسأل فيه عن حكم الحجاب، وشرب الخمر، واتخاذ الأخدان والخليلات، ويترحم فيه على الملاحدة والكفرة الأصليين ...
وحول السؤال الذي أراه مشروعا في ظل هذا الواقع الأليم، أقتطف مقطعا يسيرا ختمت به مقالا لي في الموضوع قبل حوالي سبع سنوات، قلت فيه:  ( وفي نهاية هذا المقال أتساءل سؤال المستفتي لا سؤال المعترض، هل يجوز – مع أنني أعلم أن الحدود لا تسقط إلا في حال الشبهات - أن نطبق حد الردة في هذا الزمن حيث انتشر الجهل بالدين، وغير الناس فيه وبدلوا، خاصة بعد أن قويت شوكة العلمانيين واليساريين وامتلكوا الإعلام وتحكموا في رقاب الناس واستحلوا ما حرم الله، وأعلنوا منابذة الشريعة في المواقع والمنتديات، وألفوا الأسفار وكتبوا المقالات، ودرسوا في الجامعات، وعششت أفكارهم في المدرجات، وباضوا بيضا وفيرا، وفرخوا  حتى لا ينقطع منهم النسل، وتحكموا في رقاب الناس وغيروا المفاهيم وبدلوا الحقائق، فالصواب ما يرونه صوابا، والخطأ كل الخطأ أن تخالف أو تعترض، لأن المجتمع – في نظرهم – يحب الرذيلة، ويعشق الزنا، ويستبيح التبرج والاختلاط، ويعاقر الخمر، ويشاهد الأفلام والمسلسلات الخليعة، فمن حرم هذه الملذات أو نادى بمنع هذه الطيبات !!! يسبح ضد التيار ويحد من حريات الأفراد والجماعات، ويخالف ما عليه المجتمع الذي يمثلونه كما زعموا، مع أن الواقع خلاف ما يعتقدون، فهم شرذمة قليلون سرعان ما سيظهر للناس عوارهم ثم ينقرضون...
فنحن لم نقم بحماية عقيدة المسلمين، ولا نادينا بتحريم مظاهر الاستبداد والاسترقاق والاستعباد المنتشرة في المجتمع، وما حرمنا الجشع والطمع الاقتصادي الذي أدى إلى ظهور طبقات في المجتمع لا تجد قوت يومها ولا خبزا تسد به رمقها أو دواء يبرئ سقمها، ...، ومع ذلك أقول: يجب أن ننادي بتطبيق الشريعة كلها بحدودها وجميع أحكامها، دون أن ننسى نشر العدل والمساواة، وتحقيق الكرامة الإنسانية التي لخصها عمر رضي الله عنه فيما رُوي عنه: « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا »، ذلك أن الإسلام كل لا يتجزأ وعلى المؤمن الحق أن يلتزم أحكامه كلها لا أن يتخير منها ما يوافق هواه أو يتناسق مع المنظومة الدولية، لقوله تعالى: { أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض }، وقوله : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } ) اهـ.
3 ـ هل الحق قديم أم حديث ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يمكن عقلا أن يغيب الحق في قضية من القضايا الفقهية عن القرون التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والخيرية، ويعلمه من جاء بعدهم من عوام الناس، أو بعض المنتسبين لحقل الشريعة المتأثرين بشيوع الخطاب العلموي، وتسلط العقلية الليبرالية، والتطبيع مع الإمبريالية الاستعمارية الغربية، حتى استحكمت قواعدها في عقول كثير من متشرعة هذا الزمان، وأثرت في نظرتهم للأحكام الشرعية الربانية التي لا تخضع للأهواء والرغبات ...
فالحق قديم بلا ريب، وأتباعه يتوارثونه جيلا بعد جيل، وإذا اختلف هؤلاء في بيان ذلك الحق، فإنه قطعا لا يخرج عن قول طائفة منهم، لذلك قرر جمهور الأصوليين عدم جواز استحداث قول جديد في مسألة فيها قولان، وذهب بعضهم إلى جواز ذلك ما لم يرفع القولين الأوليين، لأن في ذلك اتهام للأمة بالخطأ، وهذا ممتنع شرعا، ومحال عقلا.
4 ـ التأريخ لنفي حد الردة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم أجد ـ على قدر اطلاعي في الموضوع ـ بحثا مستقلا يؤرخ لظهور هذا القول المحدَث بنفي حد الردة في الشريعة الإسلامية السمحة، مع أن أصحاب هذا القول يحاولون جاهدين ربطه بالإمامين الجليلين إبراهيم النخعي وسفيان الثوري رحمهما الله، لكن ذلك لا يسعفهم كما سنحقق هذا الأمر في وقته وحينه.
بيد أن المطلع على ما عرفته النهضة الفكرية الحديثة في مصر بعد اتصال علمائها بالغرب، يكاد يجزم أن علماء أرض الكنانة هم أول من صدع بهذا الرأي، بعد أن تلقفوه من بعض من يسمون بالقرآنيين.
وفيما يلي عرض تاريخي مختصر لمن وقفت على أقوالهم في الموضوع:
ـ محمد توفيق صدقي ( ت 1920 م )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو طبيب وباحث مصري عرف باتجاهه المعادي للسنة والمنكر لها كما هو حال القرآنيين، وقد فتح له محمد رشيد رضا مجلة "المنار" ليبث سمومه في الأمة من خلالها، ويعتبر ـ فيما وقفت عليه ـ أول من صرح بإنكار حد الردة، وفيما يلي مقتطفات من كلامه في الموضوع:
قال في مقال له بعنوان: " الإسلام هو القرآن وحده " مجلة المنار الجزء 9 ص: 523.  
( (قتل المرتد) إنه لم يرد أمر بذلك في القرآن فلا يجوز لنا قتله لمجرد الارتداد، بل الإنسان حر في أن يعتقد ما شاء { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) ... وأما قتل المرتد لمجرد ترك العقيدة فهذا مما يخالف القرآن الشريف {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} (البقرة: 256) ) اهـ.
وقد ربط محمد توفيق بين قتل المرتد وبين ضعف المسلمين في صدر الإسلام والخوف من إفشاء أسرارهم، وإعانة العدو عليهم، مع أسباب أخرى يمكن تطبيق الحد معها إذا عادت مرة أخرى، فقال: ( أما الآن فإن وُجدت ظروف مثل تلك، وحصل مثل ما كان يحصل جاز لنا قتله؛ لأنه صار ممن حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض بالفساد ) اهـ.
وله كلام مماثل في مقال آخر بعنوان: (الدين كله من القرآن ) 15 / 215، حيث ينسب فيه هذا الرأي لرشيد رضا.
ـ محمد عبده ( 1905 م )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      يعتبر الشيخ محمد عبده رائد المدرسة الإصلاحية في مطلع القرن العشرين، إلا أن مخالطته للثقافة الغربية، وتأثره الشديد بمنهج جمال الدين الأفغاني جعله يختار بعض الآراء الفقهية المخالفة لما درج عليه الفقهاء، كي لا يستعملها المخالف ضده في اللقاءات والمناظرات، ومع أنني لم أقف له على قول صريح في الموضوع، إلا أن الكثير من الكتاب المعاصرين ينسبون له القول برد حد الردة، ويمكن الاستئناس بهذا الكلام المقتطف من مجلة المنار لبيان ميوله لهذا الرأي.
قال الشيخ محمد عبده في مجلة "المنار" 11 / 716: ( ولا نطلب بأي حال من الحكومة أن تعاقب الخارجين من الدين أو نضغط عليهم بالقوانين والتضييق، كما لا نحكم على الخارجين عن الدين إلا بالحكم المعنوي، ولا يمكن إجبار الناس لقبول الإسلام أو المسيحية، وإذا كان لشخص اختيار في الارتداد فلا يمنعنا مانع عن إظهار كراهتنا له ونفورنا منه )
ـ محمد رشيد رضا ( 1935 م )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 يبدو أن لمحمد رشيد رضا قولين اثنين في هذه المسألة، قول متقدم يوافق فيه إجماع السلف على قتل المرتد، وقول متأخر تأثر فيه بصديقه الطبيب الأريكي ( القرآني ) محمد توفيق صدقي.
والدليل على تأثره به هو أن للشيخ محمد رشيد رضا مقالات في مجلة المنار يثبت فيها حد الردة وهي متقدمة، وأخرى ينفي فيها هذا الحد ويربطه بالخيانة وهي متأخرة، والفاصل بينهما مقال الطبيب محمد توفيق الموسوم ب "الإسلام هو القرآن وحده".
الرأي الأول: قتل المرتد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في ج 4 / 956 في مقال بعنوان: (الاستهزاء بالعلم والعلماء وإهانة القرآن العزيز ) وهو يوافق العلامة الخادمي فيما قرره من أن الاستهزاء بالعلم والعلماء كفر فقال: ( ويأتي في حقه سائر أحكام الردة كالقتل إذا لم يتب ).
وقال في مقال آخر بعنوان: ( رأي في سلب الأمن من الحجاز ): 7 / 105: في معرض إنكاره لما آلت إليه الأمور في الحجاز وقتئذ: ( وظيفة الخليفة إقامة الدين وحفظه، فإذا كان المرتد لا يقتل، وإذا كان الألوف من المسلمين يكلفون بترك صلاة الجمعة للوقوف أمام الجامع الحميدي عند صلاتها؛ وإذا كان ركن الزكاة قد هدم ... )
وقال في 7 / 702: "فتاوى المنار": (وأما إذا ادعى الإسلام ورفض القيام بأركانه؛ فإنه يعاقب عقاب المرتد كما حارب الصحابة مانعي الزكاة لأنهم مرتدون , وسميت تلك الحرب حرب الردة ).
الرأي الثاني: نفي قتل المرتد لمجرد الردة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويبدو أن رأيه في الموضوع قد تغير بعد مقالات صديقه الطبيب القرآني، وبيان ذلك: أنه قد قرر أن عقوبة الردة تقتضي القتل في الجزئين الرابع والسابع، بينما بدأ يميل إلى الرأي الآخر في الجزء العاشر، وبين هذا الرأي وذاك، نجد مقالة توفيق صدقي في الجزء التاسع ... مما يجعلنا نذهب إلى القول بأنه قد تأثر به في هذا الرأي.
وفيما يلي بعض النصوص الدالة على رأيه الثاني في الموضوع.
قال  في مقال بعنوان: " أسئلة من بعض أهل العلم بتونس" 10 / 285 : ( فالظاهر أن الأمر بقتل المرتد كان لمنع شر المشركين، وكيد الماكرين من اليهود فهو لأسباب قضت بها سياسة ذلك العصر، التي تسمى في عرف أهل عصرنا سياسة عرفية عسكرية، لا لاضطهاد الناس في دينهم. )
وقال أيضا في " فتاوى المنار " 23 / 185: ( إنه ليس في القرآن أمرٌ بقتل المرتد، بل فيه ما يدل على عدم قتل
المرتدين المسالمين الذين لا يحاربون المسلمين، ولا يخرجون عن طاعة الحكومة ... )
وقال في " تفسير المنار" 3 / 275: ( ويظهر لي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أمر بقتل المرتد إلا لتخويف أولئك الذين كانوا يدبرون المكايد لإرجاع الناس عن الإسلام بالتشكيك فيه ...)
وانظر ما يوافق ذلك في تفسير المنار 5 / 266، و 9 / 553.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى مدى التطابق الكبير بين رأيه الثاني/ ورأي الطبيب القرآني محمد توفيق.
ـ عبد العزيز الجاويش ( 1929 م )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو من المتأثرين بمدرسة الشيخ محمد عبده، بل من تلاميذه الذين سلكوا طريقه بعده، وفيما يتعلق بموضوع الدراسة، يرى "عبد العزيز الجاويش" أن قتل المرتد في السنة النبوية مقيد بالخيانة والسعي في الأرض فسادا، وقد قرر نفس حجة "محمد رشيد رضا" و"محمد توفيق صدقي" في كتابه الموسوم ب: ( محاضرات دار العلوم ص: 37 ـ 38 ( مطبعة النهضة 1928 م ) / وقد طبع مع كتاب " الإسلام دين الفطرة" ص: 231 ـ دار الكتاب المصري 2011 م )، كما قام بتأويل معنى الردة المذكورة في القرآن بأن المقصود منها الارتداد عن نصرة الإسلام والتخلف عن تأييده، وليس الخروج عنه. ( انظر كتاب محاضرات دار العلوم ص: 33 ).
والملاحظ أن الشيخ قد حصر الآيات الدالة على الردة في القرآن الكريم في آيتين اثنتين هما:
الآية الأولى: قوله تعالى في سورة البقرة الآية 217 : ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).
والآية الثانية: قوله عز وجل في سورة المائدة الآية 54: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ).
وليس كما فعل " أحمد كافي" ـ ناقلا عن غيره دون أمانة علمية ـ حينما أوصلها إلى ثلاثة عشر آية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فقه الرجل ـ أي الجاويش ـ، لأنه لم يستدل في محل النزاع إلا بما يصلح للاستدلال، كما سنرى في حينه.
ـ محمود شلتوت ( 1963 م )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 يرى شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت أن الآيات القرآنية ترفض الإكراه على الدين، وبالتالي فإنه ينطلق من الآية الكريمة: { لا إكراه في الدين } في بيان رأيه، لكنه يتردد في إثبات هذا الحكم أو نفيه، ويجعله قابلا للنظر والاجتهاد، حيث قال في " الإسلام عقيدة وشريعة " ص: 281: ( وقد يتغير وجه النظر في المسألة؛ إذ لوحظ أن كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحًا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين ).
ثم توالت بعدهم الأقلام التي تبنت هذا الرأي وأفتت به، وألفت نصرة له، ومن ذلك:
ـ الشيخ عبد المتعال الصعيدي ( 1966 م ) في كتابه ( حرية الفكر في الإسلام ص: 85 و 123 ) .
ـ جمال البنا ( 2013 م ): وله بحث بعنوان: "تفنيد حد الردة"، وعدة مقاطع يبين فيها رأيه الصريح في الموضوع.
ـ الدكتور أحمد الريسوني في كتيبه " الحركة الإسلامية صعود أم أفول" ص: 76 وما بعدها، و "الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية" ص: 169 وما بعدها.
ولطالما سمعنا رأيه في الموضوع، وناقشناه فيه حوالي سنة 2004 م، وهو ينطلق فيما قرره من كون هذا الحد يتعارض مع كلي من كليات الشريعة ألا وهو "عدم الإكراه في الدين ".
ـ طه جابر العلوان ( 2016 م ) في كتابه " لا إكراه في الدين " أنظر بالضبط ص: 85 وما بعدها، وعنه نقل صاحبنا معظم الآيات التي استدل بها  على رأيه في الموضوع دون عزو له، وهو ما يخالف الأمانة العلمية.
 ـ أحمد صبحي منصور في كتاب: " حد الردة المزعوم " ص: 3 وما بعدها، وهو من القرآنيين المتشددين في نفسي السنة جملة.
 ـ محمد سليم العوا في مقالات له منشورة على الشبكة العنكبوتية، وتسجيلات مرئية على اليوتيوب، حيث يرى أن قتل المرتد هو تعزير لا حد، ويستدل بنفس الآيات ـ تقريبا ـ التي استدل بها العلوان، ومحمد عمارة ثم أحمد كافي.
ـ راشد الغنوشي في " الحريات العامة " ص: 50.  
ـ محمد عمارة ( 2020 م ) في كتابه: "التفسير الماركسي للإسلام" ص: 24 وما بعدها، حيث يستدل في ص: 27 بنفس الآيات التي استدل بها " أحمد كافي " ونسبها لنفسه، وللدكتور محمد عمارة أيضا تسجيلات مرئية يعرض فيها رأيه في الموضوع.
ـ أحمد كافي: جمع شتات ما تفرق لدى هؤلاء وغيرهم، ثم نسب هذا الرأي إلى نفسه، ولم يكلفها عناء التنصيص بأنه مسبوق إلى ذلك، خاصة فيما يتعلق بالاستدلالات القرآنية التي أوهم أتباعه بأنها فتح عظيم لم يسبقه أحد إليه.
وفيما يلي عباراته الدالة على صدق ما ذكرت:
ـ دعونا نقرأ الآيات التي ذكرت فيها مصيبة الردة عن الإسلام.
ـ دعونا مع موضوع الردة في القرآن الكريم، نستبين القول الشرعي في عقوبة المرتد، حتى إذا ما أنهينا القول في أصل الشريعة الأول، انتقلنا إلى الأصول الأخرى إن شاء الله تعالى.
ـ إتياني بجملة من الآيات عن أن الردة لا حد فيها في القرآن الكريم.
ـ وإذن، ليس عندكم قول في الآيات الإثنا عشر الأخرى التي استدللت بها.
ـ فلما أن أتينا بالقرآن الكريم في المبحث الأول، رفضوه
وغيرها من العبارات التي لا تنسب الفضل لأحد، بل توهم القارئ البسيط أن هذا فتح عظيم أوتيه الرجل، ولم يؤته أحد من العالمين.
5 ـ فقه عظيم، ورؤية سديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علق الشيخ "عبد الله بن بيه" على كتاب "طه جابر العلوان" ( لا إكراه في الدين )، وأظهر مخالفته لما ذهب إليه العلوان من رأي في الموضوع، ونبه إلى نقطة مهمة ـ قد صارت واضحة معالمها بعد هذا السرد التاريخي للقول الحادث بنفي حد الردة ـ تضمنها قوله في ص: 192 من نفس الكتاب: ( إني أخشى أن تخضع مقولاتنا لعوامل الضغط الحضاري، لنرمي ريشنا كلما هبت ريح زعزع من الغرب أو من الشرق، ونغير ثوابتنا ).
6 ـ النتيجة القطعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستخلص مما سبق عرضه وبيانه، أن القول بنفي حد الردة قول حادث في الفقه الإسلامي، ودخيل على الثقافة السنية، حيث يمتد عمره إلى حوالي المائة سنة بقليل، كما أن جذوره تتصل بالمذهب الأريكي ( القرآنيون ) المبتدع، الشيء الذي يفقده المصداقية، ولا يعطيه أية قيمة علمية.
يتبع إن شاء الله ....
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى