إعلان أفقي

الأحد، 21 يوليو 2019

عنوان المقال: الدروس المؤصلة لمن خالف العلماء وفقد البوصلة: ( محمد أمين خلال ) ـ 2 ـ

Posted by mounir  |  at  يوليو 21, 2019


دروس اليوم: في التراجم، والأدب مع العلماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ردا على المدعو: محمد أمين خلال
في مقالته: " دعاة السنة أم دعاة الفوضى " / الجزء الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمان الرحيم ...
وبعد:
فهذه وقفة أخرى في عجالة مع علامة أصحابه وخلانه، وشيخ صفحته على الفيسبوك المدعو " محمد أمين خلال " في تدوينته التي انتقد فيها اللامذهبية ، حيث أتى فيها كعادته بالعجائب والغرائب، بل وضمنها الكثير من الافتراءات على العلماء، والانتقاص منهم ومن علمهم لنصرة رأيه ومذهبه دون دليل أو بينة.
وسنناقش في هذا المقال النقاط التالية:
1 ـ هل بقي بن مخلد رحمه الله شافعي المذهب ؟ وهل هو ضعيف في الصنعة الفقهية حقا ؟
2 ـ وهل الذهبي غير محقق في أهل الأندلس ؟
3 ـ وهل يمكن الاستدلال بابن حزم رحمه الله في معرض ذكر الأئمة المتمذهبين ؟؟!!

الدرس الأول: هل كان بقي بن مخلد رحمه الله ( ت 276 هـ ) مقلدا وشافعي المذهب حقا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حينما كنت أطالع مقالته المشار إليها أعلاه تحسرت كثيرا عندما رأيته يخلط فيها خلطا كبير، ويزور الحقائق ويدلس في ترجمة الكثير من العلماء الذين نسبهم للتمذهب، ومن بين أبرز هؤلاء الأئمة الذين افترى عليهم افتراء عظيما الإمام الحجة المجتهد بقي بن مخلد رحمه الله.
وحسرتي ليست فقط على هذا الكم الهائل من التزوير الذي تضمنته التدوينة، وإنما على بعض من ينتسبون للطلب، ممن طاروا بها فرحا ونشروها في مختلف ربوع الفضاء الأزرق دون إمعان النظر فيما تضمنته من فضائح علمية، فسقطوا في التقليد من حيث لا يعلمون ... فما حقيقة تمذهب هذا الإمام يا ترى ؟
لقد ترجم العديد من الأئمة لبقي بن مخلد رحمه الله، واتفقوا على إمامته في الفقه والحديث، وأجمعوا على أنه لم يكن يقلد أحدا بل كان يفتي بالأثر، وهذا ما ذكره كل من الذهبي ( ت 748 هـ ) في السير 13 / 290 وما بعدها، وابن الفرضي ( 403 هـ ) في كتابه: " تاريخ علماء الأندلس" 1 / 108، ( فرغم أنه لم يذكر أنه بلغ مرتبة الاجتهاد ولكنه في المقابل حكى محنته مع متمذهبة الأندلس)، والحميدي ( 488 هـ ) في "جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس" ص: 178، و القاضي عياض ( ت 544 هـ ) في ترتيب المدارك وتقريب المسالك 4 / 239 حيث قال: ( وأما بقي بن مخلد، فكان بحراً يحسن تأدية ما روى، ولم يكن يتقلد مذهباً، ينتقل مع الأخبار حيث انتقلت )، و ابن بشكوال ( ت 578 هـ ) في كتاب: " الصلة في تاريخ أئمة الأندلس " ص: 119، وابن عميرة الضبي ( 599 هـ ) في: " بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس".
وهؤلاء كلهم تقريبا ـ باستثناء من نقلت قوله في موضعه أعلاه ـ اخذوا ترجمته عن ابن حزم رحمه الله الذي قال عنه في الكتاب الموسوم ب"رسائل ابن حزم:  رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها" 2 / 179 تحقيق: إحسان عباس :
(وكان متخيراً لا يقلد أحداً، وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه وجارياً في مضمار أبي عبد الله البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري وأبي عبد الرحمن النسائي رحمة الله عليهم  ).
وقال في 2 / 187 : (وإذا سمينا بقي بن مخلد لم نسابق به إلا محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وسليمان بن الأشعث السجستاني وأحمد بن شعيب النسائي )، بالإضافة إلى أنه ذكره في زمرة العلماء المجتهدين الذين لا يقلدون أحدا في كتاب: "جوامع السيرة ..." ص: 335.
قلت: فهل يبقى بعد كلام هؤلاء الفحول كلام !!، فقد جعله الإمام ابن حزم في مقام الإمام البخاري وحسبك !!، والإمامان مسلم، والنسائي رحم الله الجميع ... إلا أن يكون هذا الشاب يرى أن هؤلاء أيضا ضعفاء في الفقه !!... ومن يدري ؟! فلربما هو فتح فتحه إبليس على هذا الشاب المردود الرواية، والمجروح العدالة ...
فهذه نصوص العلماء بين يديك، فتخير بين كلام ابن حزم وباقي المؤرخين ( وكلهم أندلسيون باستثناء الذهبي ) عن بقي بن مخلد، وبين كلام شاب لم يبلغ بعد الحنث، ثم انظر أي السبيلين أهدى وأيهما أضل ؟ سبحانك ما كان لنا أن نتقدم بين أيديهم، أو أن نخطِّئ كلامهم دون بينة واضحة، ولكننا في زمن أهين فيه العلم لما صار يسهل الوصول إليه بضغطة زر في العم "كوكل" ...
الدرس الثاني: موقف متمذهبي الأندلس من بقي بن مخلد رحمه الله:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كعادة كل مصلح داعية إلى التمسك بالأثر، فقد لاقى بقي رحمه الله هجمة شرسة وتشويها مقصودا من متعصبي المذهب المالكي في الأندلس، وهذا نص كلام ابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس" 1 / 108 يحكي عما عاناه رحمه الله من أجل تمسكه بالأثر: ( وأنكر عليه أصحابه الأندلسيون: عبد الله بن خالد، ومحمد بن الحارث، وأبو زيد ما أدخله من: كُتْب الاخْتلاف وغَرائب الحَديث وأغْرُوا به السلطان وأخافوه به. ثمَّ إن الله بمَنَّه وفَضله أظهره عَليهم، وعَصَمه مِنهم. فنشر حديثه، وقرأ للنَّاس رِوايته. فمنْ يومئذ انتشر الحَديث بالأندلس. ثمَّ تَلاه آبن وضَّاح فصَارت الأندلُس دار حَديث وإسناد؛ وإنما كان الغَالِبُ عليها قبل ذلِك حِفْظ رأي مالك وأصحابه ) اهـ.
وقال الذهبي في السير 13 / 290 ـ 291: ( وكان بقي أول من كثر الحديث بالأندلس ونشره، وهاجم به شيوخ الأندلس، فثاروا عليه، لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك، وكان بقي يفتي بالأثر، فشذ عنهم شذوذا عظيما، فعقدوا عليه الشهادات، وبدعوه، ونسبوا إليه الزندقة، وأشياء نزهه الله منها.
وكان بقي يقول: لقد غرست لهم بالأندلس غرسا لا يقلع إلا بخروج الدجال ) اهـ.
وذكر القاضي عياض في " ترتيب المدارك " نموذجا لتمسكه بالأثر ومخالفة ما عليه الناس في الأندلس فقال: 6 / 283: (أمر القاضي ابن السليم، أئمة الفرض، أن يصلوا الوتر بالجامع ثلاثاً، لا يفصلون بتسليم. كما كان يفعل قبل ذلك. وذلك أن بقي بن مخلد، كان يأخذ به، واتبعه عليه بعض الأندلسيين، وهو مذهب أهل العراق ) اهـ.
فهذا هو نوع التمذهب الذي يبشرنا به أمثال " أمين خلال" في صورة عصبية مقيتة، وتشويه لمتبعي الأثر، وافتراء وتزوير، وهذا ديدن الضعفاء في كل زمان ومكان ... فإذا رأينا موقف سلفه من بقي بن مخلد، فلا نتعجب من صنيعه هذا إذا، مع أن المنكرين على بقي كانوا من الفقهاء، ومنكرو زماننا لا يُعَدّون حتى من زمرة السفهاء !!
الدرس الثالث: هل يمكن الاستدلال بابن حزم في معرض ذكر العلماء المتمذهبين ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن من أغرب ما رأته عيناي من كذب وبهتان، بل هو قول تجاوز حدود الخيال، ولم يخطر أبدا بأي بال، أن تزور الحقائق العلمية لنصرة الآراء المذهبية، وهذه نتيجة حتمية للتعصب المذهبي المقيت الذي بدأ يطل علينا من جديد، ومن ذلك استدلال صاحب المقال بابن حزم رحمه الله في معرض سرده لأسماء أعلام الأمة المتمذهبين !!، حيث قال: ( وابن حزم كان على مذهب الشافعي ثم أصبح على مذهب داوود بن علي الظاهري ) اهـ.
وهذا والله دليل إفلاس صاحب هاته المقالة، فلم يجد من يستنجد به في هذا المقام إلا قاهر المتمذهبين، وأحد المدافعين عن اللامذهبية في القرون الأولى، وفيما يلي شهادات من بعض المترجمين له تبين أن الرجل تجاوز القنطرة، وغاص في الاجتهاد حتى فروة رأسه.
قال الذهبي في معرض ترجمته لابن حزم في السير 18 / 168: (قيل: إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة )
وقال الحميدي في "جذوة المقتبس" ص: 308: ( كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه)
وقال ابن العربي المعافري ( ت 543 هـ ) في "العواصم من القواصم" ص: 249 ـ النص الكامل تحقيق: عمار طالبي ـ : (نشأ وتعلق بمذهب الشافعي  ثم انتسب إلى داود ، ثم خلع الكل، واستقل بنفسه )، وقال عن شبهة تمذهبه بمذهب أبي داود الظاهري ص: 258: (إلا أن ابن حزم لا يبالي عن داود، ولا عن سواه )،  فهذه شهادة ابن العربي له رغم أنه كان يذمه !!، فمن سنصدق يا ترى ؟؟!!
ونقل عنه  الذهبي في السير أنه قال 18 / 191: (أنا أتبع الحق، وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب )
فيا ليت شعري !! من أين يستقي هذا الشاب معلوماته ؟
الدرس الرابع: لا تدعي دعاوى علمية ليس لك فيها سلف من العلماء:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرف الأخ صاحب المقال بكثرة تهوره في إطلاق الأحكام دون خطام ولا زمام، حتى إن الحكم ليستحي من نفسه حين يصدر عن هذا الشاب اللين الكفين، والذي لم تعيه صروف الدهر بعد، فنراه يطلق الكلام يمنة ويسرة دون أي رقيب، مستغلا الجهل المتفشي بين الشباب، ومدركا أن أغبهم لا يقرؤون وإذا قرؤوا لا يفهمون ... فليكذب على الأئمة كيفما شاء، فلن يبحث خلفه أحد ... بل سيصفقون ويطبلون ولمقالته المنكرة سينشرون ... ثم عنها وعنه يدافعون وينافحون !!
ومن بين الدعاوى العريضة التي أطلقها بدون دليل ـ حسب علمي ـ :
أ ـ قوله إن بقي بن مخلد كان شافعي المذهب، لمجرد أنه أدخل كتب الشافعي ودرس فقهه !!، مع أننا لا نجد أحدا ممن ترجم له ـ فيما أعلم ـ نسبه لهذا المذهب، فإن فعل فلا حجة له في ذلك، كيف لا وقد درس الحافظ أبو الفضل الغماري الفقه المالكي وألف فيه، وهو رحمه الله لامذهبي متطرف في اللامذهبية إلى أبعد الحدود... ، فأي فوضى علمية يمارسها هذا الكاتب يا ترى ؟؟!!
ب ـ ادعاؤه أن الإمام الذهبي ليس من المحققين في أهل الأندلس !!
قلت: وهذه الدعوى وحدها تقصم ظهر البعير، وتجعله يعترف بالخطأ والتقصير.
ج ـ قوله: (فأكابر العلماء وعلى مرِّ التاريخ، لم يخرجوا عن دائرة المذاهب )، وهذا الحكم العظيم الكبير العريض يحتاج إلى استقراء تام من عالم متفرس لا من شاب متسلق متحمس، وكيف له أن يثبت هذه الدعوى وتاريخ الأمة زاخر بالأئمة الغير متمذهبين سواء قبل ظهور المذاهب أم بعدها ... وهذه الجزئية هي موضوع الرد القادم الصادم ...
الدرس الخامس: كيف نتخلق مع الأئمة الأعلام ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقع بيني وبين صاحب المقال نقاش جانبي على صفحته ( وهو موثق بالصور ) ادعى فيه أن الذهبي رحمه الله ليس محققا في أهل الأندلس !!، وافترى على بقي بن مخلد واتهمه بالضعف في الصنعة الفقهية، وهذه لعمري مصيبة وأية مصيبة، ومهلكة وأية مهلكة، وطامة وكل طامة بعدها هناء ونعمة.
فليس من أخلاقيات طلبة العلم ـ وهو ليس منهم قطعا ـ أن يلقوا الأحكام جزافا دون دراسة مسبقة أو سلف لهم في تلكم الأحكام التي يطلقونها، لكنها الفوضى العلمية والأخلاقية التي جعلت مثله يتحدث في أمور العامة، ويكتب وينتقد ويدلي بما في جعبته من تخاريف، حتى صار ينتقد الجبال ويكذب عليهم نصرة لمذهبه...
ولست أدري والله، من علم هذا الشاب ؟! ومن أذن له بالكتابة ؟!! ومن يطبل ويصفق لمثله ؟؟ فرجاء علموا أبناءكم بشكل جيد، وارفعوا عنهم الجهل، وأحسنوا تربيتهم، قبل أن يحصل لهم ما حصل لصاحبنا هذا !!، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد بعد أن تجرأ على العلماء الفطاحل، فحق عليه قول القائل: ( لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم  ).
إشكالات المقال القادم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنعالج في المقال القادم ـ إن شاء الله ـ الإشكالات التالية:
1 ـ هل وفق الكاتب في تلك الأسماء التي جردها للدلالة على أن الأصل في العلماء التمذهب ؟
2 ـ هل اللامذهبية بدعة نكراء لم يعرفها السلف كما ذكر هذا الولد ؟
3 ـ كيف يرى المدون اللامذهبية ؟ وما هو تصوره الخاطئ لها ؟
4 ـ ما مفهومه للمذهب واللامذهبية ؟ وفي أي صنف يمكن إلحاق المحققين من أئمة المذاهب ؟
هذه النقاط سنحاول مناقشتها في مقالنا القادم فانتظرونا واصبروا على سفاهة ما تسمعون، فإنا معكم منتظرون صابرون محتسبون ...
يتبع ...

شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى