إعلان أفقي

الاثنين، 17 يوليو 2017

زواج المتعة: إقامة الدليل على بطلان شبهات "محمد ابن الأزرق" الحلقة 6، القسمان: الأول والثاني

Posted by mounir  |  at  يوليو 17, 2017


ضمن سلسلة "الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية "محمد ابن الأزرق الأنجري" الجزء السابع / الحلقة السادسة.
القسم الأول من الحلقة السادسة:
موضوع الحلقة: إثبات صحبة سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه، وصحة حديثه في تحريم المتعة.
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، وبعد:
قال "ابن الأزرق" في مقاله حول المتعة، بعد أن قرر زورا وبهتانا أن الإمام مالك يضعف حديث سبرة: ( وهو عين الصواب، فسبرة بن معبد لا تصح صحبته وإن ترجمه بعض المصنفين في الصحابة، لأنه لم يرو عنه إلا ابنه الربيع بن سبرة ).
وقال أيضا: (هذا، ولم يرو سبرة الحديث طيلة حياته إلا لابنه الربيع بن سبرة رغم حاجة الأمة إليه على فرض صحته، ورغم اختلاف الصحابة والتابعين في المتعة، ولم يروه ابنه إلا زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، أي بعد سنة 98 هـ ، فلعله اخترعه ليحصل على الحظوة ويشتهر بين العلماء. )
كما عقد لذلك جزءا من كتابه في الموضوع ابتداء من الصفحة 143 إلى حدود الصفحة : 168 أتى فيه بالعجائب والغرائب والتناقضات، حيث سأعمل في الحلقات المقبلة على بيان ما في شبهاته التي أوردها حول صحبة سبرة رضي الله عنه من عوار.
أما فيما يتعلق بموضوع الحلقة، فأقول:
لقد أعل "ابن الأزرق" هذا الحديث لأنه من رواية سبرة بن معبد الجهني، وزعم أنه لا تصح صحبته، لعدة أسباب منها: أنه لم يرو عنه إلا راو واحد من التابعين، هو ابنه الربيع بن سبرة.
وقبل أن نخوض في رد هذه الشبهة من خلال أقوال المحدثين في طرق إثبات الصحبة، لا بد لنا من طرح التساؤل التالي: هل يشترط في صحة الحديث اشتهار روايته بين الصحابة والتابعين ؟، أم يكتفى في ذلك برواية الواحد، ما دامت الصحبة ثابتة بإجماع أهل هذا الفن، والعدالة متوفرة في النقلة والرواة ؟.
وجوابا على هذا السؤال المهم، لا بأس أن نضع بين يدي الموضوع مرة أخرى كلاما نفيسا لأحد الباحثين المغاربة المشتغلين بهذا العلم الشريف، حيث قال في معرض رده على من ضعف حديثا بسبب عدم شهرته بين الصحابة مع أهميته، حيث قال:
( يزعم الدكتور أن حديث الخلافة "لم يشتهر عند الصحابة والتابعين"!
والحق أن الدكتور لا يعرف أن الحديث جد مشهور عند السلف الصالح، فقد رواه جماعة من الصحابة، وتعددت طرقه إلى حد التواتر، ولكن الدكتور لم يكلف نفسه عناء البحث قبل الحكم، وذلك عيب قبيح.
ولنفرض أنه لم يشتهر، فهل يضيره ذلك إذا رواه صحابي واحد، وكان صحيحا؟
إذا كان ذلك أمارة على ضعف الحديث، فاعلم أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وهو من أجل الأحاديث، لم يروه من الصحابة إلا مولانا الفاروق رضي الله عنه، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة، ولم يروه عن عمر إلا رجل واحد، وقد رواه سيدنا عمر فوق المنبر، ومع ذلك كله، فحديث النية متفق على صحته بين الأئمة. ) اهـ
فهذا كلام علمي رصين من هذا الباحث، وهو إلزام قوي لكل من تسول له نفسه تضعيف حديث ما بسبب أنه لم يروه إلا صحابي واحد، ولم يروه عن هذا الصحابي إلا رجل واحد أيضا، حيث وقع التفرد في السند في موضعين.
فمن هو هذا الباحث يا ترى ؟، ومن هو كاتب هذه السطور التي تفوح منها رائحة العلم والفهم ؟ إنه صاحبنا "محمد بن الأزرق الأنجري" مرة أخرى!، لكننا لا ندري ما الذي أصابه فناقض أصله ؟! وغير رأيه !!
إذا تقرر ذلك، وتبين أن وقوع التفرد في سند الحديث من صحابي وتابعي ثقة لا يضر، فما بقي علينا إلا أن نبين بالطرق العلمية، وسائل إثبات الصحبة كما قررها علماء الحديث، ثم بيان الإجماع الحاصل على صحبة سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه...
هذا ما سنتعرف عليه في الجزء الثاني من الحلقة السادسة من هذه السلسلة فانتظرونا ...

القسم الثاني من الحلقة السادسة
قبل الخوض في إثبات صحبة سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه، لا بد من الإشارة إلى خطأين علميين وقع فيهما ابن الأزرق:
أما الأول منهما فهو قوله: (وإن ترجمه بعض المصنفين في الصحابة ).
قلت: الصواب أن يقول: وقد ترجمه جل ـ إن لم يكن جميع المصنفين في الصحابة ـ، وفيما يلي بعض النقول والأدلة التي تبين أن صحبة سبرة بن معبد الجهني أمر مسلم به بين العلماء قديما وحديثا.
1 ـ جعله جل رواة المسانيد من جملة الصحابة، كالحميدي، والإمام أحمد وحسبك، وأبو يعلى، والروياني، هذا بالإضافة إلى بعض المتأخرين الذين وضعوا تآليف عن مسند الإمام أحمد كالسيوطي في "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد"، وابن حجر في " إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي".
2ـ وضعه أصحاب التراجم والطبقات في زمرة الصحابة المعروفي الصحبة، وفيما يلي أقوال أئمة هذا الفن في شأن سبرة رضي الله عنه:
قال البخاري ــ وكفى ـ في "التاريخ الكبير" 4 / 187: « سبرة بن معبد الجهني، قال مروان بن معاوية : سبرة بن عوسج له صحبة ».
ذكره ابن سعد في "الطبقات" 4 / 348، في الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا، ولهم إسلام قديم، وقد هاجر عامتهم إلى أرض الحبشة، وشهدوا أحدا، وما بعدها من المشاهد.
وذكره ابن أبي خيثمة في تاريخه ص : 281 السفر الثاني تحت عنوان :« من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم اسمه "سبرة" ».
وذكره البغوي 317 هـ  في "معجم الصحابة" 3 / 245، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4 / 295 وعده ممن يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1 / 302، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف"، وقال 1 / 275: « سبرة بن معبد الجهني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا ثرية».
وابن منده في "معرفة الصحابة" ص: 819، وابن منجويه في رجال صحيح مسلم 1 / 296، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3 / 1417، وابن عبد البر في" الاستيعاب" 2 / 579، وابن عساكر في تاريخ دمشق 20 / 132  وذكر أنه رسول علي إلى معاوية.
وابن الأثير في "أسد الغابة" 2 / 406، والمزي في "تهذيب الكمال" 10 / ،203 وقال: « روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمرو بن مرة الجهني، على خلاف فيه»، قلت: الخلاف في عمرو بن مرة الجهني.
 وذكره ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" ص: 445 وقال له صحبة، وفي "جوامع السيرة" ص: 283، وعده من الصحابة الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر حديثا، والذهبي في "الكاشف" ص: 426، و"تاريخ الإسلام" 2 / 490، والصفدي في "الوافي بالوفيات" 15 / 70، وابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" 3 / 26، والعيني في "مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار" 3 / 518، والسخاوي في "التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة" 1 / 380.
وذكر ابن حبان في كتاب "السيرة النبوية وأخبار الخلفاء" 2 / 529 أنه رسول علي رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه.
وقال أبو عبيد البكري الأندلسي ( ت سنة 487 هـ ) في " معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع" : « وذو المروة: من أعمال المدينة: قرى واسعة، وهى لجهينة، كان بها سبرة بن معبد الجهنىّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولده إلى اليوم فيها، بينها وبين المدينة ثمانية برد ».
وروى البخاري في صحيحه تعليقا ما يفيد أنه شهد غزو تبوك، وقد وصله الطبراني والطحاوي والحاكم .. كما سنرى إن شاء الله.
وجعله بن بريدة الموصلي الأزدي ( ت 374 هـ ) من جملة الصحابة الذين لم يرو عنهم إلا راو واحد في كتابه " المخزون في علم الحديث ".
وقال أبو القاسم القزويني ( ت 623 هـ ) في " شرح مسند الشافعي" 3 / 314: « سبرة بن معبد الجهني، وقيل: سبرة بن عوسجة بن حرملة ابن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو بن ذهل بن ثعلبة، يعدُّ في أهل مضر من الصحابة ».
فهل يجوز بعد ذلك أن يقال: « فسبرة بن معبد لا تصح صحبته وإن ترجمه بعض المصنفين في الصحابة »، فهل يصح إطلاق لفظ البعض على كل هؤلاء  ؟ !.
فإن قيل: "قد قيد "ابن الأزرق" البعض بمن ألف في الصحابة"، قلنا: حتى هؤلاء قد بلغوا حوالي التسع، وهو أكثر من البعض قطعا.
أما الخطأ الثاني فقوله: ( فسبرة بن معبد لا تصح صحبته ) اهـ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تثبت الصحبة عند العلماء ؟
قرر العلماء أن الصحبة تثبت بعدة أمور، منها:
1ـ التواثر، 2 ـ الاستفاضة، 3 ـ شهادة صحابي له بالصحبة، 4 ـ تصريح من اشتهرت عدالته أنه صحابي سواء كان التصريح بقوله: أنا صحابي ، أو ما يقوم مقامه : كسمعت ونحوها مع صحة الإسناد وإمكانية معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم، 5 ـ وتعرف أيضا بإخبار أحد التابعين بأن فلانا صحابي بناء على قبول تزكية الواحد على الأصح.
قال السيوطي في تدريب الراوي 1 / 375 : « هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه، أو لا تثبت إلا برواية اثنين عنه، وهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم.
والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات، أو في من وفد من الصحابة، أو نحو ذلك، فإنه تثبت صحبته، وإن لم يرو عنه إلا راو واحد ».
قلت: وقد صرح سبرة بحضوره مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ( المعجم الكبير للطبراني رقم: 6554 )، كما اشتهرت صحبته بين المتقدمين، وروى له البخاري ( 3378 ) تعليقا ما يفيد أنه شهد غزوة تبوك، وقد وصله الطبراني في "المعجم الكبير" 7 / 116 قال:  
حدثنا أبو شعيب الحراني، ثنا أبو جعفر النفيلي ( ثقة حافظ )، ثنا عثمان بن عبد الرحمن ( وثقه بن معين، وضعفه آخرون بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل )، عن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ( وثقه الذهبي، وقال ابن  حجر صدوق ربما غلط )، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين راح من الحجر... الحديث رقم 6552.
وذكره أيضا بسندين آخرين قبل هذا السند، فقال:
أ ـ حدثنا خلف بن عمرو العكبري، ثنا الحميدي، ثنا حرملة بن عبد العزيز، حدثني أبي، عن جدي، قال: لما أن نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ... الحديث رقم: 6550.
ب ـ حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي، ثنا يعقوب بن حميد، ثنا سبرة بن عبد العزيز، عن الربيع بن سبرة، أن أباه حدثه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين نزل الحجر .. الحديث رقم: 6551.
ووصله أيضا الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9 / 368 رقم 3750، و3751، و3752.، كما رواه الحاكم في "المستدرك" 2 / 617 وقال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »، ووافقه الذهبي في "التلخيص".
وفيما يلي سند الحاكم، حيث قال: (حدثنا أبو زكريا العنبري، ثنا أبو عبد الله البوشنجي، ثنا يعقوب بن كعب الحلبي، ثنا حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: نزلنا الحجر في غزوة تبوك ... الحديث رقم: 4068 ). وأخرجه أيضا برقم: 7154.
أضف إلى ذلك أن بعض كتب التاريخ[1] قد ذكرت أنه كان رسول علي رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه.
كيف تعامل المتقدمون مع هذا النوع من الصحابة ؟:
جرت عادة المحدثين بتخريج وتصحيح أحاديث هذا الضرب في كتبهم، بل إن الكثير من الأحاديث المشهورة والمعروفة والتي تلقتها الأمة بالقبول تدور رحاها على "الوحدان"، وسأضرب مثالا بأصح كتب أهل الأرض، لأمير المؤمنين في الحديث "محمد بن إسماعيل البخاري" رحمه الله، حيث روى لجماعة من هذا النوع من الصحابة، منهم:
1 ـ مرداس الأسلمي رضي الله عنه ، انفرد بالرواية عنه قيس بن أبي حازم، وهو من أصحاب الشجرة كما في رواية للبخاري برقم: 4156.  وقد روى له الإمام أحمد في المسند برقم 17728 ـ 17729 ـ 17730، والدارمي 2761، وغيرهم، فهل هذا حديث ضعيف بسبب الشك في صحبة مرداس، اللهم هذا بهتان عظيم.
وقد وهم من ظن أنه قد روى عنه غير قيس، قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10 / 86 : « مرداس الذى روى عنه زياد بن علاقة إنما هو مرداس بن عروة صحابى أخر ، ذكره البخارى و أبو حاتم و ابن حبان و ابن مندة و غير واحد .
و صرح مسلم وأبو الفتح الأزدى وجماعة أن قيس بن أبى حازم تفرد بالرواية عن مرداس بن مالك الأسلمى ، وهو الصواب .
لكن قال ابن السكن أن بعض أهل الحديث زعم أن مرداس بن عروة هو مرداس الأسلمى الذى روى عنه قيس بن أبى حازم . قال : و الصحيح أنهما اثنان ».
وهذا لفظ حديث مرداس الأسلمي رضي الله عنه : «يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا»
2 ـ حزن المخزومي تفرد عنه ابنه المسيب بن حزن، وهو والد سعيد بن المسيب سيد التابعين، وحزن وابنه المسيب كلاهما صحابيان. وقد انفرد سعيد عن أبيه المسيب، وانفرد المسيب عن أبيه حزن، فوقع التفرد في ثلاثة مواضع من السند، وصحت صحبة راويان كلاهما لم يرو عنهما إلا راو واحد.
3 ـ زاهر بن الأسود ممن بايع تحت الشجرة، انفرد عنه ابنه مجزأة بن زاهر بن الأسود الأسلمي الكوفي، وحديثه في النهي عن لحوم الحمر الأهلية، رواه البخاري برقم 4173.
4 ـ وعمرو بن تغلب لم يرو عنه إلا الحسن البصري، وحديثه في البخاري برقم: 923 وغيره.
5 ـ سنين أبو جميلة، تفرد عنه الزهري وحديثه برقم: 4301.
6 ـ أبو سعيد بن المعلى رضي الله عنه، انفرد عنه حفص بن عاصم، وحديثه في فضل سورة الفاتحة، رواه البخاري برقم: 4474 وغيره.
7 ـ سويد بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه، انفرد بالرواية عنه بشير بن يسار، وحديثه في موطأ مالك رحمه الله برقم: 21 ( تحقيق عبد الباقي )، وفي البخاري برقم: 209 وغيره[2].
وسأختم  بنصوص تبين مذهب العلماء في المسألة:
قال الحاكم في المستدرك 1 / 74: « الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف احتججنا به، وصححنا حديثه إذ هو صحيح على شرطهما جميعا، فإن البخاري قد احتج بحديث قيس بن أبي حازم، عن مرداس الأسلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون " واحتج بحديث قيس، عن عدي بن عميرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "من استعملناه على عمل"، وليس لهما راو غير قيس بن أبي حازم، وكذلك مسلم قد احتج بأحاديث أبي مالك الأشجعي، عن أبيه وأحاديث مجزأة بن زاهر الأسلمي، عن أبيه فلزمهما جميعا على شرطهما الاحتجاج بحديث شريح، عن أبيه، فإن المقدام وأباه شريحا من أكابر التابعين، وقد كان هانئ بن يزيد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقال ابن الصلاح في مقدمته ص : 113: « قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد، منهم مرداس الأسلمي، لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم: ربيعة بن كعب الأسلمي، لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن، وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه ».
وقال العراقي في التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ص: 148: « لا شك أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين عنه هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو فيمن وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد ».
قلت: وسبرة من الصحابة المشهورين عند أهل المغازي والسير فلا يضره أن يروي عنه راو واحد، كما أنه قد زكاه أحد كبار التابعين، وهو ابنه الربيع بن سبرة بن معبد الجهني.
بعض الأدلة على شهرة سبرة في زمن النبوة:
1 ـ حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان، عن الربيع بن سبرة الجهني؛ أن أباه أخبرهم؛ أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حتى نزلوا عسفان، وأنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني مدلج فقال له: يا رسول الله! اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: إن الله قد أدخل عليكم في حجتكم هذه عمرة، فإذا أنتم قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد أحل، إلا من كان معه هدي"، ثم ذكر الحديث ( رواه بن أبي خيثمة في تاريخه السفر الثاني ص: 969 )
2 ـ ـــ حدثنا الحكم بن موسى نا حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بالحجر: من عمل من هذا الماء شيئا أو طعاما فليلقه ". قال: ومنهم من عجن العجين أو منهم من حاس الحيس - شك حرملة. ( معجم الصحابة للبغوي ج 3 ... )
3 ـ روى الواقدي في المغازي 1 / 180 قال:
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّي لَبِالفَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ، إذْ لَقِيت بَنِي قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ، قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الْإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا: أَجْلَانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا. قُلْت: فَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الشّامَ. قَالَ سَبْرَةُ: فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِي الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِي الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلًا مِنْهُمْ، وَقَوّوْهُمْ، وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ .
4 ـ وفي الجامع لابن وهب أيضا طبعة ابن الجوزي ص: 64
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَعْدٍ فَلْيَقُمْ» فَقُمْتُ، فَقَالَ: «اقْعُدْ» ، فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قُلْتُ: فَمَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَنْتُمْ مِنْ حِمْيَرَ».
5 ـ مسند الإمام أحمد
15345 - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، أخبرني عبد العزيز بن عمر، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في حجة الوداع، حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العمرة قد دخلت في الحج " فقال له سراقة بن مالك، أو مالك بن سراقة - شك عبد العزيز -: أي رسول الله علمنا تعليم قوم، كأنما ولدوا اليوم، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد؟ قال: " بل لأبد" فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت، ... الحديث.
وهذه الرواية وإن كانت مرجوحة في جزئها الأخير، حيث قررت أن تحريم المتعة كان في حجة الوداع، إلا أننا نستفيد من الجزء الأول منها أن سبرة من الصحابة الذين حضروا حجة الوداع.
6 ـ وفي أخبار مكة للفاكهاني
1792 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا بَيْنَ الْبَيْتِ وَزَمْزَمَ أَيْ يَخْطُبُ "
7 ـ سنن الدراقطني 3 / 235، رقم: 2459.
نا الحسين بن الحسين بن الصابوني , نا محمد بن أحمد بن عصمة الرملي , نا سوار بن عمارة , نا عبد الله بن يزيد بن الصلت الشيباني , نا عبد العزيز بن الربيع بن سبرة , عن أبيه , عن جده , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خطب وسط أيام التشريق». يعني: يوم النفر الأول
خلاصة:
وبعد سرد هذه الأدلة الواضحة على صحبة سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه، وفق قواعد وأصول محدثي أهل السنة والجماعة، فلا يسعني إلا أن أردد ما قال "ابن الأزرق" يوما : (ومن لا يسلّم بالشمس فلا جدال معه )، ثم بقول الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء ____ إذا احتاج النهار إلى دليل.
فهل بقي ل "محمد بن الأزرق" بعد هذا كله مستند يستند إليه في توهين الحديث، إلا ما ادعاه من ضعف الربيع بن سبرة، وما توهمه من اضطراب مؤثر في ثبوته.
فما مدى صدق هذه الدعاوى ؟ وهل الربيع بن سبرة ضعيف فعلا ؟ وما مدى تأثير اضطراب الروايات الواردة في صحة الحديث ؟ هذا ما سنعرفه في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.



[1]  ـ كتاريخ ابن عساكر 20 / 134، وتاريخ الطبري 4 / 443.
[2]  أنظر باقي النماذج في سير أعلام النبلاء 10 / 120، وقد عد منهم عشرة.

الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى