إعلان أفقي

الأحد، 26 أبريل 2020

الرد الوافي على مقالات أحمد كافي حول الردة / الجزء الثالث

Posted by mounir  |  at  أبريل 26, 2020


بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وبعد:
أولا: خلاصة ما تضمنه هذا الجزء من نتائج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ تفكيك شبهة أخرى من شبهات أحمد كافي، والمتعلقة بالاستدلال على رد هذا الحد بعدم وروده في القرآن الكريم.
ـ بيان أن هذا الاستدلال من بدع القرآنيين التي تسربت إلى الفكر السني من خلال مدرسة محمد رشيد رضا.
ـ لا يشترط ورود الحكم الشرعي في القرآن الكريم لكي نقبله، بل يكفي ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ بيان افترائه على المخالفين، حيث ينسب لهم من الأقوال والأصول ما لم يقع يوما في أذهانهم.
ـ الاحتجاج بقول الصحابي من أصول الاستدلال عند أئمة اهل السنة والجماعة على تفصيل في ذلك، وهو حجة قوية في محل النزاع، خاصة مع عدم وجود المخالف.
ثانيا: التفاصيل
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ منهجيتي في البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعتمد منهجية البحث في هذا الرد على تفكيك الشبهات التي وقع فيها "أحمد كافي" قبل الخوض في دحضها والرد عليها، حتى يتمكن أي متابع من الوقوف على مكامن الضعف في تلكم الأدلة الموهومة، وذلك من خلال الوقوف على أصولها، واستمداداتها، ومخالفتها لقواعد الاستدلال عند أهل السنة والجماعة، ومعارضتها للعقل والمنطق، الشي الذي يجعلها سرعان ما تتبخر وتطير في الهواء.
2 ـ أحمد كافي ومغالطة رجل القش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقصد بهذا النوع من المغالطات أن يختلق المتكلم خصما وهميا ضعيف الحجة، ثم يرد عليه بقوة، لكي يوهم القراء بأنه قد رد على تلك الطائفة التي تقول بالرأي محل النزاع، فكأنه ترك الشخص الحقيقي، وصنع له نسخة تشبهه، هي عبارة عن دمية من قش يسهل التغلب عليها.
3 ـ اختراع المذاهب الموهومة والرد عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا ما فعله صاحبنا في بداية تدويناته حول موضوع الردة، فقد اخترع مذهبا ضعيفا وبدأ يرد عليه، ويحاصره، ويلزمه بإلزامات وهمية لا تمت للموضوع بأية صلة، وقد حصل منه ذلك في موضعين اثنين ـ إلى حدود ما اطعت عليه من تدويناته في الموضوع ـ:
الموضع الأول:
ـــــــــــــــــــــ
ادعى فيه أن مخالفه " المتوهم والمصنوع من القش " لا يستدل إلا بالقرآن والسنة فقط، فيكون استدلاله بعمل الصحابة في محل النزاع استدلالا باطلا لأنه لا يوافق منهجه الذي رسمه لنفسه، وبالتالي على مخالفيه ـ من رجال القش ـ أن يخضعوا لمنهج ثابت حتى يتسنى له مناقشتهم والرد عليهم، فإن أبوا إلا التشبث بهذا الدليل ـ قول الصحابي وعمله ـ فإنه سيأتيهم بدليل من الأدلة التي تفوق العشرين عند الأصوليين لبيان صدق مذهبه !!
وهذا نص كلامه في الموضوع: ( سمعنا وما بالعهد من قدم أن الدليل هو الكتاب والسنة. فلما أن عجزوا عن الإتيان بهما وقد قيدوا أنفسهم بهما، قالوا اليوم: إن الصحابة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فعلا وفعلا وفعلا...وهذا اتهام لهما ) ثم تساءل قائلا: ( الأول: هل الدليل الكتاب والسنة فقط؟
الثاني: أم الدليل الكتاب والسنة وقول الصحابة وعملهم؟ ) اهـ.
وسنرد على هذه الفرية في المحور التالي إن شاء الله.
الموضع الثاني:
ــــــــــــــــــــ
افترى على المخالفين له فرية لا تليق أن تنسب إلى مسلم قط، حيث رماهم برفض القرآن الكريم في معرض الاستدلال، فقال: ( فلما أن أتينا بالقرآن الكريم في المبحث الأول، رفضوه. والدليل على رفضهم أنهم يعارضون الآيات بالأحاديث النبوية الشريفة:
1ـ هل الاستدلال بالقرآن الكريم لا يعجبكم؟
2ـ من المقدم عند الأئمة إذا تعارض القرآن الكريم مع السنة النبوية؟ ) اهـ.
ولعمري إن هذه الفرية لكبيرة عظيمة، فليس كل من رفض استدلالك بالقرآن الكريم في غير موضعه، يكون بذلك رافضا للقرآن العظيم كأصل من أصول التشريع في الإسلام، لأنه لا يوجد تلازم بين الأمرين، فهو رفض استدلالك لأنه ضعيف، ولم يرفض القرآن الكريم كأصل فتنبه !!
وعلى العموم فهذه النزعة الإقصائية لدى الكاتب لمسناها منذ بداية تدويناته في الموضوع، فهو يتوهم وجود مخالف له بصفات معينة تنفر المتابعين منه، ثم يقصفه بأوهام من الأدلة الضعيفة، والإشكالات المزعومة التي سرعان ما تتبخر عند القليل من التأني والنظر والتفكيك والتمحيص.
4 ـ عمل الصحابة في المذاهب الأربعة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جرت سنة العلماء العملية من حيث الجملة على الأخذ بأقوال الصحابة والاستدلال بآرائهم وأقضيتهم وتصرفاتهم خاصة فيما ينعدم فيه الدليل الجلي من كتاب أو سنة، وهذا أمر بديهي ومسلم به عند كل من طالع كتب الفقه في المذاهب الأربعة وغيرها.
ورغم حكاية الأصوليين للخلاف في هذه المسألة، فإن هذا الخلاف يبقى صوريا في ظل الواقع العملي الذي فرض نفسه، فالأئمة الأربعة ـ من حيث التطبيق ـ يستدلون بعمل الصحابة، وهي من الأصول المعتمدة عند الإمام مالك رحمه الله على أصح القولين، وكذلك الأمر عند باقي الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة.
وسنكتفي في هذا المقام باقتباس نصين لإمامين جليلين حول الموضوع:
النص الأول:
ــــــــــــــــــ
 للشاطبي في الموافقات 4 / 463: حيث قال مؤكدا أخذ الإمام مالك بهذا الأصل: ( ولما بالغ مالك في هذا المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم فجعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك؛ فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة أو من اتبعهم ).
النص الثاني:
ـــــــــــــــــــ
روى البيهقي بسنده في كتاب ( المدخل إلى السنن الكبرى ص: 109 ـ 110 ) عن الإمام الشافعي رحمه الله قال: ( ما كان الكتاب أو السنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو وأحدهم، ثم كان قول الأئمة: أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ...  ، فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم )
وقال أيضا: ( والعلم طبقات: الأولى: الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة، ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفا منهم، والرابعة: اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، والخامسة: القياس على بعض هذه الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة ) اهـ .
قلت: وهذا الأمر أشهر من أن نتطرق إليه بالبحث والتأصيل والتفصيل، ونحن لا ندري من أين جاء الكاتب بهذا المذهب الذي يحصر الاستدلال بالقرآن والسنة فقط، فإن وجد فهو قول شاذ لا أراه ينسب لعالم عند التحقيق، والخلاف في هذه المسألة قد ورد في بعض الفروع التي لا تتناسب مع محل النزاع بيننا ... لأننا هنا تحت وطأة إجماع عملي وقولي من لدن الصحابة رضوان الله عليهم.
5 ـ استدلال غريب !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أغرب ما رأته عيناي أن يستدل سني ـ تقليدا لغيره من المعاصرين الذين وقعوا في هذا المطب ـ على نفي حكم شرعي بعدم وجوده في القرآن الكريم، وهذا الاستدلال ـ للأسف الشديد ـ هو محور الحديث عند أرباب هذه المدرسة بدءً من محمد توفيق صدقي ( القرآني )، ومحمد رشيد رضا والصعيدي والجاويش، مرورا بعمارة وطه جابر العلوان وغيرهم، وصولا إلى أحمد كافي وغيره من المعاصرين ...
قال احمد كافي: ( وحيث إن الآيات تترى في أن لا عقاب على المرتد دنيا، فهل يمكننا أن نقول: إن هذه الآيات العديدة قد نسخت بآية السيف ) اهـ.
وقال: ( وأنه يستحيل أن تذكر عقوبة الكليات الأخرى تنصيصا وتصريحا قاطعا، ثم لا نجد ذكرا لأية عقوبة بخصوص كلية الدين. )
وقال أيضا: ( فهل نسيت عقوبة الارتداد مع ذكر الردة أكثر من مرة )، وقال: ( ونتساءل عن العلة من عدم ذكر عقوبة حد للمرتد تقطع النزاع بين النظار في المسألة ).
6 ـ هذا الاستدلال من بدع القرآنيين التي تجري على أصولهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد رأينا في مقالنا السابق كيف تسلل القول بإنكار حد الردة إلى أهل السنة عن طريق القرآني محمد توفيق صدقي عبر مجلة المنار التي يرأسها الشيخ محمد رشيد رضا، حيث قال في الجزء 9 ص: 523 منها: ( إنه لم يرد أمر بذلك في القرآن فلا يجوز لنا قتله لمجرد الارتداد )، ثم تأثر به الشيخ رشيد رضا، واستدل بنفس استدلاله هذا فقال في " فتاوى المنار " 23 / 185: ( إنه ليس في القرآن أمرٌ بقتل المرتد، بل فيه ما يدل على عدم قتل المرتدين المسالمين الذين لا يحاربون المسلمين ) اهـ، ثم تتابع القوم على ترديد نفس الشبهة تقليدا دون تحقيق وتمحيص.
وعليه، فإن الاتكاء على هذا الأصل الخلفي في الاستدلال من طرف مسلم سني يجري على أصول أئمتنا من أهل السنة على اختلاف مشاربهم، يكون مخالفا للقواعد العلمية، وهو مردود بضغطة زر يسيرة، ودون عناء وتكلف.
7 ـ هل يصلح هذا الاستدلال ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الاستدلال الضعيف، بل المضحك، لا يصلح على أصول أهل السنة والجماعة الذين يرون الأخذ بالقرآن والسنة ... وغيرهما من الأصول المعتمدة عندهم على خلاف بينهم في التقديم والتأخير، لكنه صالح وقوي على منهج الأريكيين ( القرآنيين ) الذين لا يعترفون بالسنة النبوية، ولا يجعلونها مصدرا للتشريع، وبالتالي فهو استدلال باطل جملة وتفصيلا ... وجوابه سهل يسير لا يحتاج إلى كثير من التكلف، حيث نقول لهم:
( إذا لم يوجد دليل في القرآن الكريم على حد الردة، فإنه موجود في السنة النبوية الثابتة عن المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، ...، رفعت الجلسة !!)
8 ـ رد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أحمد كافي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟! فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا! فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا. (متفق عليه ).
9 ـ وجه الاستدلال من الأثر المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يهمنا من قصة ابن مسعود رضي الله عنه، هو المنهج التشريعي الذي ارتضاه في استخراج الأحكام من النصوص قرآنا وسنة، حيث اعتبر أن الحكم الوارد في السنة كالحكم الوارد في القرآن الكريم لدلالة الآية الكريمة ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) الآية.
وهذا هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم، ومن جاء بعدهم من أئمة الدين، فلما ظهرت بدعة الأخذ بالقرآن وحده، ظهر هذا الاستدلال الشاذ والضعيف، وتناقله بعض المتشرعة فيما بينهم، لأنه يوافق رأيهم الذي ارتضوه لأنفسهم تأثرا برياح التغريب التي تهب من كل صوب وحدب، وذلك من باب قول القائل: اعتقد ثم استدل!!.
يتبع إن شاء الله ... فلا يزال في جعبتنا الكثير.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.



شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى