إعلان أفقي

الثلاثاء، 12 فبراير 2019

الإيمان والفلسفة

Posted by mounir  |  at  فبراير 12, 2019


يعتبر درس الإيمان والفلسفة من أكثر الدروس إثارة للجدل العلمي والمعرفي في الساحة التربوية في مغربنا الحديث، هذا الجدل الذي أدى إلى التصادم بين مادتين تدرسان للتلميذ الواحد في الآن نفسه، في حين أن نية واضعي المقررات المدرسية كانت هي ترسيخ فكرة التكامل المعرفي بين التخصصات التي يدرسها التلميذ داخل الفصل.
إلا أن الإشكال الذي صاحب صدور المنهاج الجديد هو عدم وضوح الرؤية الفكرية من هذا الدرس بالضبط، حيث إن عنوانه ومحاوره الموافقة للإطار المرجعي لم تعط للأستاذ فكرة حقيقية عن المراد منه بالضبط، خاصة وأن هذين الحقلين ( الفلسفة والدين ) ضلا لزمن طويل في مد وجزر، والحرب بين الفكرين لم ولن تضع أوزارها بهذه السهولة التي يتصورها البعض، فلا بعض أساتذة مادة التربية الإسلامية رضوا بهذه المحاور، ولا بعض أساتذة الفلسفة اقتنعوا بهذا التمازج، وهذا هو أس وأساس وأصل المشكلة.
بالنسبة لي، سأعرض هنا وجهة نظر متواضعة للطريقة التي أتعامل بها مع هذا الدرس، قصد المدارسة والمناقشة وتقويم الاعوجاج والتنبيه على الأخطاء العلمية والمعرفية التي قد أمررها للتلميذ خطأ ودون قصد.
وفيما يلي أبرز النقاط التي أتطرق إليها من خلال مراحل تحليل الدرس:
المحور الأول: مفهوم الفلسفة:
رغم أنه لا يمكن وضع مفهوم قطعي ومتفق عليه للفسلفة، إلا أننا سنتحدث عنها هنا كمفهوم عام باعتبار أنها تعتمد على العقل المجرد، وبالتالي فإن أي معرفة خارجة عن العقل تفتقر إلى قبوله لها، فإن قبلها صارت مقبولة وإن لا فلا ...، وبالتالي يصير العقل باعتباره مركزا للإدراك حاكما وقاضيا على جميع المعارف الأخرى ...
وهنا سنطرح إشكالا مهما على التلاميذ:
لقد تقرر بأن كل معرفة خارجة عن العقل تفتقر إليه، والوحي معرفة خارجة عنه، فبالتالي يكون العقل حاكما على الوحي ...!!
وهنا يظهر التناقض والتعارض والتضارب الظاهر والبين بين الفلسفة والدين، لأن الإسلام أتى بمحارات العقول، وأمر بالتصديق بالكثير من الغيبيات التي لا تدركها العقول والأفهام، ولا يصح الإيمان إلا بالتصديق بها قطعا دون شك أو ريب...
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا ننظر للفسلفة ـ في هذا المحورـ من ناحية منطقية موضوعية دون إعطاء أحكام سلبية أو إيجابية، بل نطرح الإشكالات التي قد تعن وتظهر للتلميذ من خلال بيان المنهج الرئيس الذي تقوم عليه الفلسفة، ومقارنته بالقواعد الأساسية التي يبنى عليها الدين ( الإسلام ).
ثم ننتقل بعد ذلك إلى المحور الثاني:
المحور الثاني ـ التفكير الفلسفي يقوي العقل ويطور التفكير
وهذا حق .... باعتبارنا نعطي حكما موضوعيا لهذا العلم، ذلك أن الفلسفة هي رياضة للعقول، وتتميز بدعوتها للتأمل والتفكر وإعمال العقل وتربية ملكة النقد ونبذ التقليد والتخلص من سلطة العادة ... وهذه الأمور تجعل الإنسان يعمل عقله باستمرار، الشيء الذي ينتج عنه تطور العقل وتنمية التفكير، باعتبار أن العقل مثله مثل العضلات، إن أنت تعاهدته بالتفكر والإعمال قوي وتطور، وإن أنت أهملته تكاسل وتخامل.
وهذا حكم موضوعي منا على الفلسفة كفلسفة سواء كانت راشدة أو موضوعية أو متحيزة أو موصلة للإلحاد ...
وهنا سنقوم بالرجوع للإشكال السابق، والذي لا يزال مطروحا، وهو: كيف نتعامل مع هذا التعارض الظاهر بين هذه الفلسفة القائمة على تقديس العقل، وبين الإسلام فيما يتعلق باعتبار العقل حاكما على جميع المعارف ... ؟
الشيء الذي سينتقل بنا مباشرة إلى المحور الثالث قصد إزالة وتوضيح هذا الإشكال، وذلك بتقديم بديل لهذا التعارض، وعرض صيغة مشتركة تؤدي إلى التوافق وعدم التضارب.
المحور الثالث: المقصود بالفلسفة الراشدة:
من أجل إزالة هذا التعارض الحاصل بينهما، نقترح صيغة وسطية للتوفيق بين العلوم جميعها، وهي ما اصطلح عليه " بالفلسفة الراشدة "، والتي يقصد بها تلك الطريقة من التفكير التي تجمع بين المعقول والمنقول ولا تضرب بعضه بعضا بل تهتدي بنور الوحي قصد ترسيخ الإيمان وتقويته.
وهذا العنوان بالضبط يثير حفيظة الكثير من أساتذة الفلسفة ومقدسيها، إذ أن هذا التقرير الذي قررناه أعلاه بوجود فلسفة راشدة، يفهم منه بمفهوم المخالفة وجود فلسفة قاصرة مضادة للدين.
وبعد هذا التقرير الجامع لما يعتقده الكثيرون من النقيضين، نطرح إشكالا آخر على صيغة السؤال التالي: هل هذه الفلسفة ( الراشدة ) هي الوحيدة التي تصل إلى حقائق الوحي، وتتكامل مع الدين ولا تعارضه، أم أن هناك مدرسة فلسفية أخرى تتوافق مع الفلسفة الراشدة في هذه النتيجة.
وهنا سننتقل إلى المحور الرابع:
المحور الرابع: المنهج الفلسفي الموضوعي وأثره في ترسيخ الإيمان
حيث سنقسم الفلسفة كمدرسة عامة إلى قسمين: أ ـ موضوعيون ب ـ متحيزون
ونبين المقصود بالموضوعية والتي تعني الحياد، ونضرب على ذلك عدة أمثلة تبين الفرق بينهما،كما نقدم مثالا لتحيز بعض المشتغلين بحقل الفلسفة لفئة دون أخرى.
وخير مثال نقدمه لهذا التحيز هم الملاحدة العرب، الذين لا هم لهم إلا انتقاد الإسلام والمسلمين، وتشويه للتاريخ الإسلامي وشيطنته، وقلب للحقائق، وتعمية للعقل عن رؤية نور الحقيقة الساطع.
ونضرب بعض النماذج لبعض الفلاسفة الموضوعيين الذين توصلوا لبعض الحقائق الغيبية انطلاقا من العقل الموضوعي، كالإيمان بوجود الله واليوم الآخر ...
ثم ننقل بعد ذلك للمحور الخامس: وذلك ببيان عدم وجود تعارض بين الفلسفة الراشدة والدين
المحور الخامس: لا تعارض بين الفلسفة الراشدة والإيمان الحق ...
الفلسفة الراشدة لا تتعارض مع الدين الحق ( الإسلام )، لذلك قرر علماء الإسلام أنه لا يوجد تعارض بين العقل الصريح والإيمان الحق المبني على النقل الصحيح، فكلاهما ينبعان من مشكاة واحدة.
إلى هذا القدر تنتهي محاور الدرس، ونكون قد عالجنا الموضوع ـ في تصوري ـ بشيء من الموضوعية قدر الإمكان، مع محاولة للجمع بين الفلسفة كعلم، والإسلام كدين سماوي حق.

الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى