الرد المنمق والأنيق على من بذكر العلامة الألباني
صدره يضيق ج 2
( عبد الله الجباري الحسني )
( عبد الله الجباري الحسني )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فلا يزال أصحاب الإفك في كل زمان ومكان يلبسون عباءة
أهل العلم، ويروجون لباطلهم بين عموم الناس لتضليلهم وإخراجهم عن الطريق السوي،
وذلك من خلال تنفيرهم من العلماء، عبر الترويج لبعض الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء الأفاضل
حقا، أو التي توهمها مخالفوهم حسدا وحقدا.
وتجدر الإشارة والتنبيه والتوضيح والإقرار والتكرار
ووضع لافتة مثبتة بمسمار: بأننا لا ندعي العصمة لأحد، ولا ننكر وقوع الشيخ
الألباني رحمه الله ـ وغيره من العلماء والفضلاء ـ في الخطأ والتناقض والوهم والغلط
والنسيان والسهو والاغترار بالغير ... بل إننا نقر بصدق بعض الانتقادات التي جاء
بها السقاف في تتبعه لما اعتبره أوهاما وتناقضات للشيخ رحمه الله، ...، لكن خلافنا
مع القوم في محاولة إسقاط الشيخ، وتنقيص بعض الأغمار من قدره، بل وحكمهم عليه
بالضعف من الناحية الحديثية !!
ومن بين هؤلاء المذكورين نجد أحد المغاربة الذين
أقحموا أنفسهم في حقل العلوم الشرعية، والذين استطاعوا بعد جهد جهيد، وعمل عتيد،
وعناد ووعد ووعيد أن يرفعوا عن أنفسهم الجهالة، ويحسنوا القراءة والكتابة،
واستعمال الحاسب والطبع على الآلة، فإذا بهم يقفزون فوق الرؤوس الشامخة، قصد
البروز بمظهر الباحثين الموضوعيين، في زمن فشا فيه الجهل العلمي، وانتشرت الأمية
المعرفية بين الناس، وسيطر الطيش على العقول، حتى باض وفرَّخ، وانتشر انتشار
السرطان في الجسد العليل.
واليوم، وفي هذا الجزء الثاني من سلسلة ( الرد
المنمق والأنيق على من بذكر العلامة الألباني صدره يضيق )، نقف مع الشبهة الأولى
لصاحبها المدعو: ( عبد الله الجباري الحسني ) والذي قال فيها ما نصه:
(حديث (تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء ... )
قال الألباني عن هذا الحديث : "صحيح دون
جملة الأنبياء، عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة".
هذا حكمه في صحيح الأدب المفرد.
قال الألباني أيضا : "ضعيف، عن أبي وهب
الجشمي، وكانت له صحبة".
هذا حكمه في ضعيف الأدب المفرد. ) اهـ، ثم اتهم الشيخ رحمه الله بالتناقض
والاضطراب، واستنتج استنتاجا أشبه باستنتاجات ( تاتو ) حيث قال: (والمضطرب ضعيف
كما هو مقرر في كتب المصطلح ) اهـ ... فما صحة هذه الدعوى يا ترى ؟
الرد الصارم الصادم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا : أخذ الحسني هذه الشبهة من كتاب "تناقضات
الألباني الواضحات" للسقاف ج 1 ص: 50، لكن مقلده ( السقاف ) كان أذكى منه
ونسب التناقض للشيخ رحمه الله في هذا الحديث بين "الصحيحة" و"الإرواء"،
لأنه فهم مقصود الشيخ الألباني من صنيعه في صحيح وضعيف الأدب المفرد، ولم يتجرأ
على قول ما قاله "الحسني" هذا.
ولما أراد أن يجتهد صاحبنا لكي لا تظهر للجهال هذه
السرقة، أو لفرحه العارم باكتشاف تناقض جديد لم يظفر به مقلّده السقاف سارع ( أو
بالأحرى تسرع ) في نشر هذه الطامة التي تدل على ضعف مستواه العلمي والمعرفي.
ثانيا: السقطات المنهجية الناتجة عن التكاسل والنقل
بالوسائط وضعف التحقيق.
بما أن الشخص المذكور قد اعترف غير ما مرة أنه يعتمد
في تحقيقاته على المكتبة الشاملة ومحرك البحث ( كوكل )، فلا شك أن خطأه سيكون أكثر
من صوابه إذا لم يرجع إلى النسخ الأصلية للكتب التي يريد أن يأخذ منها، وهذا ما
حصل له حينما اعتمد على ( الشاملة ) فقط في النقل من كتابي "صحيح الأدب
المفرد وضعيفه"، وهاكم البيان:
1 ـ خطأه الفادح في العزو إلى ( ضعيف الأدب المفرد
):
عبارة الحسني: (قال الألباني أيضا : "ضعيف، عن أبي وهب
الجشمي، وكانت له صحبة". ) اهـ، وهي العبارة نفسها الموجودة في المكتبة الشاملة، فماذا عن
الأصل ؟
العبارة الصحيحة: قال الألباني رحمه الله: (
ضعيف، الإرواء ( 4 / 408 / 1178 )، وتمام الحديث صحيح لشواهده، ولذلك رفعته من هنا
إلى الصحيح ) اهـ.
قلت: وهذه الجملة وحدها كافية لبيان منهج الشيخ
رحمه الله، ومقصوده من صنيعه هذا، ولا حجة للحسني ولا لغيره في نسبة التناقض
للألباني رحمه الله، بعد هذا التصريح القاصم للظهر.
2 ـ عبارة الحسني: قال الألباني عن هذا الحديث : "صحيح دون
جملة الأنبياء، عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة". وهي في الشاملة لكنها ناقصة، الشيء الذي لم ينتبه له الكاتب إما
تكاسلا عن التحقيق، أو تعمدا للتلبيس والتدليس.
العبارة التامة: صحيح دون جملة الأنبياء (
الصحيحة 1040 )، الإرواء ( 1178 )، تخريج الكلم الطيب ( 218 ). اهـ.
حيث أشار الشيخ رحمه الله إلى المصادر التي بين
فيها سبب ضعف الجملة المذكورة من الحديث.
تنبيه هام:
ليس عيبا
أن يرجع الباحث إلى محركات البحث، والمكتبات الإلكترونية فإنها تسهل الوصول إلى
المعلومة، لكن الخطأ هو الاعتماد على تلك المكتبات دون الرجوع إلى الأصول
المطبوعة، وهذا ما أنكرته على الحسني أعلاه.
ثالثا: منهج الشيخ الألباني رحمه الله في كتابيه:
"صحيح وضعيف الأدب المفرد ".
إن من أهم الأمور المنهجية التي قررها العلماء
والدارسون: أهمية قراءة مقدمات الكتب التي تفصح عن منهج المؤلف واصطلاحاته لكي لا
يقع القارئ فيما وقع فيه الحسني وغيره ممن يتكاسلون عن قراءة تلك المقدمات، أو
ينقلون عن غيرهم دون تكلف الرجوع إلى المصادر الأصلية. فماذا عن منهج الشيخ
الألباني في " صحيح الأدب المفرد " ؟
لقد أفصح الشيخ الألباني رحمه الله عن منهجه
المتين في إيراد الأحاديث في كتابيه المذكورين، حيث قال في مقدمة كتابه: ( صحيح
الأدب المفرد ) ص: 30: ( وهناك أحاديث فيها بعض الجمل او الألفاظ لا تثبت أمام
النقد العلمي، فهي بهذا الاعتبار تصلح أن تودع في الكتاب الآخر : "ضعيف الأدب
المفرد" ولكنها بالنظر إلى أصلها ، فهي بهذا "الصحيح" أولى، ولهذا
فإني أورده فيه ثم في "الضعيف"، مقتصرا منه في كل منهما بما يليق به
.... ).
ثم ضرب الشيخ أمثلة ونماذج لتلك الأحاديث،
والعجيب الغريب، المضحك المبكي، أنه قد ضرب مثالا لهذا الحديث نفسه فقال ص: 31: ( وقد
تكون جملة تامة لا ارتباط لها بتمام الحديث فأوردها في "الضعيف" مشيرا
إلى أن تمامه صحيح، كما تراه في هذا برقم
( 624 / 814 )، وفي الضعيف برقم: ( 132 / 814 ) ) اهـ.
فإذا ما رجعنا إلى المكانين المذكورين في هذا
الكلام الأخير، نجد فيهما الإشارة إلى الحديث موضوع البحث، فأي تكاسل بعد هذا
التكاسل يا ترى ؟!!
رابعا : التوضيح والبيان:
روى الإمام البخاري هذا الحديث في الأدب المفرد رقم
( 814 ) قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ أَبِي
وَهْبٍ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ
الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ، وَمُرَّةُ ".
فحكم عليه الشيخ الألباني رحمه الله من منظورين
اثنين:
المنظور الأول: سند الحديث الوارد في الأدب المفرد،
فالحديث ضعيف بهذا السند وحده لأنه من رواية : ( عقيل بن شبيب ) وهو مجهول، وقد
ذكره ابن حبان في الثقات، وبالتالي فإنه لا يحتمل التفرد بهذه الرواية.
مع التنبيه إلى أن هذه الرواية هي الوحيدة التي وردت
فيها زيادة: ( تسموا بأسماء الأنبياء ) في نفس المتن محل الدراسة : ( أحب الأسماء
إلى الله ... ).
المنظور الثاني: مجموع أسانيد الحديث، حيث إنه يرتقي
إلى الصحة بالشاهد المرسل الصحيح الذي أورده في الصحيحة برقم: 1040.
النتيجة الصادمة لكل متكاسل مقلد:
إن الحديث
الذي رواه البخاري في الأدب المفرد ضعيف بسبب ( عقيل )، وعقيل هذا قد انفرد
بزيادة: ( تسموا بأسماء الأنبياء )، إلا أن هذا الحديث نفسه ـ دون الزيادة
المذكورة ـ له شاهد من طريق آخر مرسل،
فعضد الحديثان أحدهما الآخر فيما اتفقا فيه من متن، ولم نجد لزيادة: ( تسموا
بأسماء الأنبياء ) شاهدا يرتقي بها إلى الصحة، فبقيت على أصلها الضعيف.
خامسا: إضافات مهمة:
لقد بين الشيخ الألباني رحمه الله قصده هذا في حاشية
ضعيف الترغيب والترهيب 2 / 19 ، وكذا حاشية صحيح الترغيب والترهيب 2 / 431
فليراجعهما من شاء.
كما قال في " الإرواء " كلاما واضحا لا
يحتاج إلى مزيد بيان : « وإنما
هذه الزيادة فى حديث أبى وهب الجشمى هذا , ولا تصح كما علمت , فاقتضى التنبيه ».
ووضح أن هذا
الحديث مما قواه بعد أن حكم أولا بضعفه بناء على السند الذي كان بين يديه، حيث قال
في هامش تحقيقه لكتاب : " الكلم الطيب " ص: 164 ( طبعة المعارف ): «
وإسناده ضعيف، وبيانه في الإرواء 1178، لكن له شاهد مرسل دون جملة "
الأنبياء"، وهو مخرج في الصحيحة 1040 » اهـ.
ولكن القوم لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا
فهموا فهم يتغافلون، وما بعد الهدى إلا الضلال.
هذا والصلاة والسلام على خير الورى سيدنا محمد وعلى
آله وصحابته الأكرمين.
يتبع ...
0 التعليقات: