بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الورى، وسيد المرسلين،
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وبعد:
فقد كتب "محمد بن الأزرق الأنجري" ردا على جزء من سلسلتي في
الرد على مقالاته التي تسلط فيها على علم جليل القدر عظيم الشأن، ألا وهو علم
الحديث، سماه:" تيسير الدروس الحديثية لكاتب السلسلة العلمية" ظنا منه
أن هذا العنوان سينقص من إرادتي، أو يفتت عزمي، أو يضعف من همتي عن مواصلة ما
بدأته من بيان سوء مخبره، بعد أن افتتن بعض من لا علم له بمظهره.
وبما أنه أرادنا أن نتتلمذ على يديه، ونغترف من معينه ما لذ وطاب من
معارف حديثية، فإنني وبحمد الله ومنه وكرمه لا أترك مجلسا يمكنني أن ألتقط فيه بعض
الفوائد والنكت والشوارد إلا حضرته، ولو كان متصدره طفلا لم يصل سن البلوغ بعد،
مادام المجلس مجلس علم ومذاكرة، وقد لا أستفيد منه شيئا من العلم، لكنني لا أندم
ولا أتحسر على حضوره، لأنني في أقل الأحوال سأزيد يقينا بعدم جواز تصدر من لم يبلغ
بعد مرتبة التدريس، لفحش خطئه في العلوم التي تصدى لها.
وحيث إن أستاذنا "ابن الأزرق" أراد أن يلعب هذا الدور،
فإنني سأمكنه من قضاء وطره، وتحقيق رغبته، وسأكون في هذه الردود الجانبية كالتلميذ
بين يدي شيخه، غاضا الطرف عن الإساءة ما استطعت لذلك سبيلا، مع المحافظة على حق
الاستدراك على أخطاء وزلات شيخي ومعلمي وإن كان في بعضها شيء من الشدة أحيانا.
وقبل أن ألج مجلسه، وأثني ركبتي بين يدي "تيسيره"، لا بأس
أن أذكره بمجموعة من المقدمات الضرورية التي تنير له الطريق أثناء تعليمه لنا في
هذه المقالات، وهذه مقدمات أخرى غير تلك التي كنت قد وضعتها بين يدي
"السلسلة"، إلا واحدة، آثرت تكرارها لما فيها من فوائد يعز وجودها في
غيرها.
المقدمة الأولى: إبتلعت الطعم يا نبيه!
منذ أن بدأت مشروع سلستي العلمية في الرد على أستاذي "ابن الأزرق"،
وهو لا ينبس ببنت شفة، لما ضمنتها من حجج وبراهين قوية، تعرفت من خلالها على
المعالم الكبرى من شخصيته، ووقفت بواسطتها على مبلغ علمه، فلما انتقلت إلى الرد
الصريح على بعض مقالاته، ابتدأت بتصحيحه لحديث فضائل القرآن الذي جاء فيه بالعجائب
كما سيتبين من خلال باقي حلقات الجزء السادس، ورغبة مني في جره إلى أتون هذه
المعركة، قسمت الرد إلى حلقات من أجل علتين اثنتين:
الأولى: تيسير متابعة أخطائه وزلاته على القراء باختلاف ألوانهم
ومشاربهم، الموافقين منهم والمخالفين، لأن نشر الرد دفعة واحدة، قد يضيع الفائدة
المرجوة منه، فكانت الحكمة تقتضي تنجيمه ( وهذه العلة كانت معلنة منذ البداية ).
الثانية: لما كانت الحلقة الأولى من الرد مبنية في مجملها على الظنون،
سيعتقد شيخي أن هذا مبلغ نقدي لمقاله، فيدخل معي على الخط، ليكون ملزما بالرد على
باقي السقطات والزلات والملاحظات، سقطة سقطة، وزلة زلة، وملاحظة ملاحظة، وأنى له
ذلك وقد أحاط به أجله من كل مكان، وانتهى زمنه بعد أن ضعفت حجته وقلت حيلته، الشيء
الذي جعله يشوش علينا مستغيثا بأهله وشيعته، فلم ينفعه شيء من ذلك، فاستعان علينا
بالتلبيس والتدليس، ورمانا بما يعلم أنه ليس منا ولا فينا.
وقد وقع المراد، وخرج "ابن الأزرق" من جحره، وحان موعد
اللقاء، واستعرت الحرب، وصار الضحية في الملعب، وحان الأوان لبلوغ الهدف والمطلب.
فالحمد لله أولا وآخرا.
المقدمة الثانية: طلب الحق غايتنا
ليس الغرض من مناقشاتنا، التي نرجو أن تكون علمية، هو استعراض العضلات، بل المقصد كل
المقصد هو الوصول إلى الحق كائنا من كان قائله، ولو تبين لي أن الحق مع شيخي
"ابن الأزرق" لما ترددت في الجهر به واتباعه.
والمنهج العقلي يقتضي الإقرار بأن ليس كل ما استدركته عليه صوابا، لأن
الكثير من ذلك دائر بين القطع والظن، ولو قدم الحجة على نقيض ما نسبته إليه، لبرئت
ذمته، واتبعت طريقته.
المقدمة الثالثة: مشكلة شيخي الكبرى هي قصوره في فهم معنى
التقصير!
منذ أن سطع نجم أستاذنا، وهو يردد مرارا وتكرارا عبارات القصور
والغفلة والسهو ..، وينسب ذلك كله وأكثر إلى علماء الأمة سلفا وخلفا. وهو لا يدري
أن من بذل الوسع من أجل الوصول إلى حكم ما فإنه لا يسمى مقصرا لا لغة ولا عرفا ولا
عقلا.
وما أخال شيخي جرب تخريج الأحاديث من الكتب، أو الاعتماد في ذلك على
المخطوطات المصورة، إذ أنه لو فعل، لتغير رأيه، ورجع عن غيه.
والأكثر من هذا، أن للأستاذ "ابن الأزرق" منهجا خاصا به، يشبه
إلى حد كبير منطق الغرب في محاربة ما يسمى ب "الإرهاب"، تحت مبدأ: "إما
معي وإما ضدي"، فكثيرا ما نجده يشير إلى فهم
أو حكم معين، ثم ينعت من يخالفه الفهم بالتقصير، كرميه للشيخ الألباني
بالتقصير، لمجرد أنه لم يصحح حديث ابن مسعود رضي الله عنه بحكم الرفع! كما سيأتي
بيانه وتفصيله.
وسأنقل له فيما يلي أقوال بعض من يشهد لهم القاصي والداني بالاجتهاد، الشيء
الذي يتبين معه مدى صعوبة التخريج بين القديم والحديث:
1 ـ الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: لقد اعتبر الشيخ أن طبع مفتاح كنوز السنة فتحا عظيما على العلم
والعلماء، حتى أنه قال: « ولو وجد بين يدي مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث لوفر
علي أكثر من نصف عمري الذي أنفقته في المراجعة ... فلو كان بيدي هو أو مثله من أول
عهدي بالاشتغال بكتب السنة لوفر علي ثلاثة أرباع عمري الذي صرفته فيها ...» انتهى
من تقديمه لمفتاح كنوز السنة ص: س ، ع .
فهل أمسكت يوما "مفتاح كنوز السنة بين يديك" يا أستاذ ؟
2 ـ الشيخ أحمد شاكر: قال أثناء تقديمه للكتاب المذكور آنفا ص: ب ، ج.
«وها أنا أشتغل بعلوم الحديث وكتبه منذ خمس وعشرين سنة، وقد تلقيت
كثيرا منها سماعا وقراءة على أعلام وكبار من الشيوخ، وفي مقدمتهم والدي الأستاذ
الجليل السيد "محمد شاكر" وكيل الجامع الأزهر سابقا حفظه الله، والحافظ
الكبير العلامة السيد عبد الله بن إدريس السنوسي" عالم مراكش وشيخ شيوخها
رحمه الله، ومع ذلك فإني طالما أعياني تطلب بعض الأحاديث في مظانها، وأغرب من هذا
أني لبثت نحو خمس سنين وأنا أطلب حديثا معينا في سنن الترمذي، وهو كتاب تلقيته كله
عن والدي سماعا، ولي به شبه اختصاص وكبير عناية.
فهذه الكتب كانت بين يدي من لم تطل مدارسته لها كالصناديق المغلقة لا
يعلم من أين يصل إلى ما فيها».
3 ـ الشيخ العلامة يوسف القرضاوي: حيث قال في "المنتقى" ص:
81 ـ 82 من المقدمة : « وكثيرا ما كانت مراجعة الحديث الواحد في مظانه المختلفة
للاستيثاق من درجته تأخذ مني ساعات، وربما أياما، حتى أطمئن إلى انتقائه، أو تركه،
وهذا ما قوى عندي بواعث الاتجاه إلى عمل موسوعة للحديث النبوي، وخصوصا لصحاح
الأحاديث وحسانها، تسهل على الباحثين الرجوع إليها بلا معاناة. وهو ما ينوي مركز
بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر القيام به بتوفيق الله تعالى وعونه ».
قلت: ليتك ما فعلت يا شيخ، وليت من وضعوا هذه الموسوعات أحجموا ولم
يقبلوا، لبقي شأن العلم عظيما، ولظل علم الحديث عن العبث مصونا. ولكن لله الحمد من
قبل ومن بعد.
المقدمة الرابعة: بين الاستفادة والتقليد
دأب شيخي في مقال "التيسير" أن ينسبني إلى التقليد، متوهما
أن هذا يحط من قدري، ذلك أنه لا يدرك الفرق بين الاستفادة من جهد من شهد له
الأعداء قبل الأحباء بسبقه في هذا العلم، وبين تقليده تقليدا جامدا أعمى، وأنا لا
أريد أن أضرب للأستاذ نماذج لمخالفتنا لبعض الاجتهادات العلمية للعلامة الألباني
رحمه الله، سواء من حيث حكمه على الأحاديث أو اختياراته الفقهية، وفي الحلقات التي
أنشرها ردا على تصحيحه حديث "فضائل القرآن" نموذج لسلوكنا مسلكا مخالفا
لمسلك الشيخ بالنسبة لأحد الرواة.
وليس من العقل والحكمة الاشتغال بعلم الحديث، وترك أقوال واجتهادات
عالم جليل اشتغل بهذا الفن لأكثر من نصف قرن، كيف وقد استفاد منه واعتمد عليه من
هم أكثر مني علما وفهما، كالقرضاوي وحسبك.
المقدمة الخامسة: نماذج من تقصير وتكاسل "ابن
الأزرق"
قلت في المقدمة التاسعة من السلسلة ما نصه:
كثيرا ما يسارع صديقنا في رمي العلماء
الأجلاء قديما وحديثا بالتقصير في البحث، رغم أنهم كانوا يستفرغون الوسع والطاقة
في معرفة الحق، وقد تقرر أن من استفرغ وسعه للوصول إلى حكم شرعي مع استجماعه لشروط
الاجتهاد، ثم جانب الحق، وخالف الصواب، لا ينسب إلى التقصير عند الأصوليين، بل
يعتبر اجتهاده اجتهادا كاملا مأجورا عليه، كما دلت على ذلك نصوص السنة النبوية
الصحيحة.
والذي لا يستحضره البعض، أن العلماء
قديما كانوا يعتمدون غالبا على حافظتهم القوية، ويخالطون الكتب مباشرة، ويديمون
المطالعة والمدارسة، ويأخذون العلم من معينه مشافهة، لا عن طريق المكتبة الشاملة
والعلامة "كوكل " كما يفعل بعض الباحثين المعاصرين المتبجحين.
ومع ذلك، ورغم استعمال علامة عصره
ونبيه زمانه لكل هذه الوسائل التقنية الحديثة، نجده يجافي الصواب في كثير من
الأحيان، ويكون الحق مع المخالف كما سأبين من خلال ردودي العاتية فيما سيستقبل من
الأيام بإذن الله.
وبما أن المقام لا يتسع لكثرة الأمثلة، فسأكتفي
بنموذج واحد، حاول من خلاله أن ينطح جبلا، فلم يضره وأَوْهى قرنه الوعِل، وذلك
حينما نسب التقصير للشيخ الألباني رحمه الله في حكمه على ضعف زيادة محاولة انتحار
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال في معرض ذكره لمن ضعف تلكم الزيادة ــ وهو الحق ـ
: ( العلامة الألباني في "دفاع عن الحديث النبوي1/40، والضعيفة3/160 و10/ 450
وحكم عليها بالنكارة والبطلان، وضعفها بالانقطاع ومناقضة أخلاق النبوة.
لكن الشيخ زعم تفرد معمر بن راشد بها، وهو مقصر
في البحث، ثم إنه نسي حكمه عليها بالبطلان، فأوردها في "صحيح السيرة
ص88" من غير تنبيه ولا تحذير ) اهـ.
قلت: بل إن صنيعك هذا لا يخلوا إما من تقصير أو
تدليس، حيث نسجل لك هنا ثلاث أخطاء وقعت فيها، أحدها بسيط يغتفر لكنه مستقبح
مستهجن، والآخران يضعانك في مأزق لا مخرج لك منه ولا مفر.
فأما الأول: ذكرت بأن تضعيف الشيخ للحديث في
كتابه "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة " وهذا حق لا ريب فيه، لكنك حينما
أشرت إلى الصفحة وضعت أمامها الجزء أيضا
1/40 أي الجزء الأول الصفحة 40، والكتاب أصلا من جزء واحد لا أكثر. فتنبه
رحمك الله في المرة القادمة وانظر في بطاقة الكتاب من المكتبة الشاملة قبل أن تحيل
إليه كي لا تنسب للتقصير.
وأما الثاني: فقولك: ( لكن الشيخ زعم تفرد معمر
بن راشد بها، وهو مقصر في البحث ).
قلت: بل أنت المقصر، وأما الشيخ رحمه الله فبريء
من ذلك، وهذا نص كلامه الذي تكاسلت عن قراءته، أو لم تطلع عليه أصلا وإنما نقلته
مبتورا عن غيرك : ( ونستنتج مما سبق أن لهذه الزيادة علتين:
الأولى: تفرد معمر بها دون يونس وعقيل فهي شاذة
الأخرى: أنها مرسلة معضلة فإن القائل: (فيما
بلغنا) إنما هو الزهري ... )[1] . فتأمل
حفظك الله ولا تستعجل فتندم.
وأما الثالث: فقولك: ( ثم إنه نسي حكمه عليها
بالبطلان، فأوردها في "صحيح السيرة ص88" من غير تنبيه ولا تحذير ).
وليس الأمر كما زعمت، بل إن الشيخ كعادته يحيل
القارئ أحيانا إلى كتاب يكون قد بسط فيه القول في الحديث حتى لا يكرر المباحث
نفسها، وهذا ما فعله هنا حيث قال : " رواه البخاري رحمه الله في كتابه في
مواضع منه وتكلمنا عليه مطولا في أول (شرح البخاري) في (كتاب بدء الوحي)
إسنادا ومتنا ولله الحمد والمنة
وأخرجه مسلم في (صحيحه) وانتهى سياقه إلى قول
ورقة: (أنصرك نصرا مؤزرا) )[2].
فمن المقصر أو القاصر أو المدلس هداني وهداك الله،
وألهمنا الرشد والصواب، فتريث ولا تتسرع في إصدار الأحكام على العلماء قديما
وحديثا، وأكمل قراءة الجمل إلى نهايتها ولا تتعجل، لكي لا تضع نفسك في مواقف محرجة
ليس لك منها مهرب، وتحصر نفسك في زوايا ضيقة ليس لك منها مخرج.
وهذا الذي ذكرت نموذج واحد فقط من بين أمثلة أخرى
تسرع فيها صاحبنا في تخطئة أسود علم الحديث، فإذا بالصواب يكون معهم، لكن سوء فهمه
لكلام المتقدمين وطرائقهم في التأليف يحمله على مثل هذه المجازفات المميتة.اهـ
المقدمة السادسة: تحرير محل النزاع
قرر علماء الأصول أن المنهج العلمي الدقيق يقتضي
تحرير محل النزاع قبل الخوض في الخلاف والرد والمراء، كي لا يجد الباحث نفسه يجتر
كلاما لا علاقة له بموضوع البحث، أو ينقل قولا لا علاقة له بمحور النقاش، وقد قيل
قديما: « لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف »، وكنت أقول دائما: « ولو حرر الباحثون
محل النزاع لقل الخلاف أيضا ».
فإذا تقرر ذلك وعلمنا أن طبيعة هذه البحوث
السريعة تستدعي أن لا يضمنها صاحبها إلا ما له علاقة بموضوع البحث، فلا يكون إزالة
بعض الكلام الذي لا صلة له بالموضوع بترا ولا تدليسا إلا ممن يتعامل مع المخالف
بمنطق ( طارت معزة ... ).
المقدمة السابعة: رمتني بدائها وانسلت
بعد أن ضعفت حجة "ابن الأزرق"، وعجز عن
مجاراتي، وذهل بقوة حجتي، فلم يستطع مقابلة الحجة بالحجة، لجأ إلى رمي التهم
وإطلاقها جزافا ولو بأقل شبهة ممكنة، ومن ذلك اتهامه لي بالتلبيس والتدليس والبتر،
وهذا داء عضال، لا يسلكه إلا كل أفاك أو دجال، وهو طريق أهل البدع والأهواء، فنحن
عنه نتنكب، وعن سبيله نعرض ونضرب... فلا ترمني بدائك يا شيخي وتنسل.
المقدمة الثامنة والأخيرة: مشكلته في
فهم اصطلاحات المحدثين
يعاني أستاذي الكريم من مشكلة كبيرة في فهم
اصطلاحات المحدثين وطرائق عملهم، سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين، وهذا سبب له
مشكلا كبيرا في استدراكاته واستنتاجاته وكذا إشكالاته، علما أن الصنعة الحديثية
تقتضي أن يحيط العامل في الحديث بمصطلحات القوم حتى لا يوظفها توظيفا خاطئا.
مدخل:
والآن، وبعد تسجيل هذه النكت والفوائد التي
اقتنصتها مباشرة بعد قراءتي "للتيسير"، قبل أن تغيب عن ذهني وتطير، فلندخل
جميعا إلى قاعة الدرس، ولنستمع إلى محاضرات الشيخ، لكن قبل الشروع في ذلك، أعتذر
منك سيدي، فإني طالب مشاغب كثير الاعتراض والاستشكال فلتتنبه.
الدرس الأول:
درس في اصطلاح الحافظ المنذري رحمه
الله:
قال بعد أن ساق كلاما لي: (ويا للهول، فالكاتب وقع في
كارثة علمية فاحشة، تسمى عند العلماء تدليسا وتلبيسا على القراء، ذلك أنه نقل ما
يشتهي من كلام المنذري وترك ما يشهد لي، وهذه تتمة كلام الإمام رحمه الله، ليبطُل
رجم الكاتب بالغيب من جهة، وليظهر التدليس الفاحش من ناحية ).
ونقل
كلاما للمنذري لا علاقة له بمحل النزاع، وأنا لا أريد أن أطيل في كثرة النقول، لكن
خلاصة ما هنالك، أننا نتحدث عن تصدير المنذري للحديث ب "عن"، فما الغاية
من نقل باقي كلامه وهو يتحدث فيه عن التصدير ب "روي" إلا الحشو
والتلبيس.
فعذرا
شيخي الكريم، لأن نقل هذا الكلام سواء مني أو منك هو من فضول الكلام الذي لا يعود
على الدرس الحديثي بفائدة تذكر، خاصة إذا راعينا طبيعة هذه البحوث التي تستدعي
شيئا من التلخيص والاختصار.
ثانيا:
جاء في الدرس ما نصه: (حديث صدّره المنذري بلفظ "عن" فهو صحيح أو حسن أو
قريب منهما ...)
قلت: يجب
أن تضيف أيضا بعد قولك أو قريب منهما: وكذلك المرسل والمنقطع والمعضل ومن
في إسناده راو مبهم، أو ضعيف وثق، أو ثقة ضُعِّف، وبقية رواة الإسناد ثقات، أو
فيهم كلام لا يضر، أو روي مرفوعا والصحيح وقفه، أو متصلا والصحيح إرساله، أو كان
إسناده ضعيفا، لكن صححه أو حسنه بعض من خرجه كما بين المنذري في مقدمته.
لكنك
قطعت الكلام عن سياقه، وبترت ما يقوم حجة ضدك، ويشهد لي، فلتتنبه. ولا ترمني بدائك
وتنسل.
السقطة
الأولى : جاء في الدرس:
كل
حديث ضعيف عند المنذري لا يحتمل التحسين، يصدّره بلفظة "روي"، وفي ذلك
تأكيد على أن "عن" خاصة بالصحيح والحسن والقريب منهما.
قلت: ألم تستشكل
عبارة "القريب منهما"، والتي لا يفهم المقصود بها، لأن الحسن قريب من
الصحيح، والضعيف خفيف الضعف قريب من الحسن، فما هي تلك المرتبة التي يقصدها
"المنذري" رحمه الله بقوله ذاك.
أقول هذا ليعلم
طالب الحق وباغي الصدق، أن هذا الاصطلاح خاص بالمنذري، لم يسبقه إليه أحد كما أشار
إلى ذلك العلامة الألباني رحمه الله، فهو إذا لفظ مشكل لا يعلم المراد منه.
السقطة
الثانية :
قال
أستاذي: ( فالحافظ قطع الباب بذلك، وصرّح بتصحيح الحديث لفظا بعد الإشارة بعن،
وهو كلامه لا كلام الحاكم صاحب المستدرك ).
بل
هو من كلام الحاكم، والسياق يدل على ذلك.
السقطة ( الفضيحة المدوية ) الثالثة
:
قال:
(وعندما أراد توثيق كلام الحافظ لم يعزُه للكتاب الأصل، بل إلى صحيح الترغيب
للألباني )
قلت:
بل عزوته إلى "المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب" للشيخ العلامة يوسف
القرضاوي، والذي أكاد أجزم أن شيخي الحالي في الحديث لا يعرفه، لأنه لو كان يعرفه
لنقل رأيه في حديث فضائل القرآن ضمن جملة القائلين بأنه موقوف على ابن مسعود رضي
الله عنه، وهو ـ أي القرضاوي ـ الذي قال في هامش المنتقى 1 / 411: « فالأولى
اعتباره موقوفا على ابن مسعود »، ومثل القرضاوي لا يهمل حكمه في مثل هذه المواطن،
ولا تستدرك علي بأنه ليس من أهل الصنعة الحديثية، لأن هذا القول سيكون منك جنونا
وانتحارا، فالشيخ أعلم بهذا الشأن مني ومنك.
فكيف
نصف صنيعك هذا يا شيخنا الجليل، هل هو تلبيس أم تزوير أم افتراء أم تقصير، فاختر إذا
لنفسك أي هذه الأوصاف أقربها إليك، فأنت أعلم بنفسك من غيرك!
السقطة
الرابعة:
قلت
يا شيخنا: (خامسا: الألباني الذي زعم أن اصطلاح المنذري مضطرب، وادعى أن
"عن" لا تعني تقوية الحديث دائما، نسي ما استدركه وانفرد به حسب دعواه
في مقدمة "ضعيف الترغيب" ).
قلت:
بل في مقدمة "صحيح الترغيب" وليس ضعيفه، حيث اكتفى في
"الضعيف" بالإشارة فقط مع الإحالة على الصحيح، وهذا قصور ما بعده قصور
يا شيخنا الكريم، يضاف إلى ما ورد في المقدمة التاسعة.
السقطة
الخامسة:
قولك: (ولو احترم ما استدركه وأبدعه في شرحه لاصطلاح الإمام، لما
أكثر من انتقاده ورميه بالتساهل في "ضعيف الترغيب"، لأنه حسب شرحه
التجديدي، قرّر أن "عن" لا تستلزم التقوية عند المنذري، وأن الأخير أشار
في كلامه إلى أنه قد يصدّر بها الحديث الضعيف، فلِمَ الانتقاد عليه إذن؟ ).
قلت: ما الذي يسبق يا شيخي، أ التأليف أم التحقيق أم المقدمة، إن
كانت المقدمة ـ وهذا لا يقول به أحد ـ فقد يكون الحق معك، أما إن كان التأليف أو
التحقيق، فقد جانبت الصواب، وأوغلت في الزلل والخطل، لأن الشيخ رحمه الله يظهر هنا
وجه التناقض بين اصطلاح المنذري وصنيعه، ليبين أن هناك إشكالا حقيقيا في هذا
الاصطلاح، ثم يقوم بعد ذلك بتلخيص النتائج التي توصل إليها في المقدمة، فلم
الاستشكال إذن ؟
ثم إن قولك: (قرّر أن "عن" لا تستلزم التقوية عند
المنذري )
قلت: لم يقل الشيخ ذلك ولا قرره، وهذا يدل على أنك يا أستاذي لم تحرر
محل النزاع بيننا وبينك، فالألباني رحمه الله يقر بأن للمنذري اصطلاحا خاصا به في
التصحيح والتضعيف، لكنه لاحظ من خلال إطالة النظر في الكتاب ـ حوالي ربع قرن كما
أشار في مقدمة الصحيح ـ أن المنذري ناقض نفسه، لأنه رحمه الله وضع هذا السفر
العظيم من حفظه دون الرجوع إلى أصوله، وفيما يلي كلام المحدث الألباني حول اصطلاح
الحافظ المنذري:
قال في مقدمة "صحيح الترغيب والترهيب" 1 / 36: « وإن من
نفاسته عندي أنه عني فيه ببيان مرتبة الحديث من صحة أو ضعف، بأوجز عبارة، وأوضح
إشارة ».
وقال في 1 / 40 : « ولهذا، فقد التزم في كتابه "الترغيب
والترهيب" التمييز بين القوي والضعيف من الحديث، إلا أنه قد سلك في بيان ذلك
سبيلا وعرا، فيه كثير من الإجمال والغموض، مما يجعل الاستفادة منه للتمييز الذي
رمى إليه قليلة، بل ضائعة»
تنبيه: لاحظ يا شيخي الكريم، أن الألباني رحمه الله قرر أن الاستفادة
من هذا التمييز قليلة، وليس من الكتاب ككل، كما أشرت في ثنايا تيسيرك، ولله الأمر
من قبل ومن بعد.
وقال الألباني أيضا 1 / 42: « فهو بهذا البيان قد جعل أحاديث كتابه
قسمين: الأول: ما صدره بلفظ (عن) المشعر بقوته، والآخر: ما صدره بلفظ (روي) المشعر
بضعفه»
قلت: الإشكالية التي طرحها العلامة المحدث الألباني ليس في كلام
المنذري فهو واضح بين، ونحن نعلم أن ما صدره ب " عن " يكون صحيحا عنده
حسب مقدمته، لكنه من خلال تطبيقه العملي لهذا الاصطلاح نجد ـ تبعا لما أشار إليه
الألباني بأدلته التي سنذكرها ـ أنه كثيرا ما يصدر الحديث ب " عن " ثم يعلق
عليه بتعليق يشبه التعليق الذي يعلقه على حديث صدره ب "روي" كما سنبين،
فماذا تسمي هذا يا شيخنا "ابن الأزرق".
والمثال الذي ضربتَه يا أستاذ على تناقض الألباني لا يدل على شيء من
ذلك، فلو أنك قرأت الحديث الذي بعده لتبين لك صحة كلام أبي عبد الرحمان، وسأنقله
هنا من "الترغيب" نفسه ليتبين لك أن "المنذري" قد يورد الحديث
الضعيف مصدرا إياه ب " عن ".
قال المنذري في الترغيب والترهيب 3 / 406 ـ تحقيق عمارة ـ :
« وعن العلاء بن الشخير رضي الله عنه: "أن رجلا أتى النبي صلى
الله عليه وسلم من قبل وجهه، فقال يا رسول الله: أي العمل أفضل؟ قال: حسن الخلق،
ثم أتاه عن يمينه، ... » الحديث.
ثم قال: « رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة مرسلا هكذا ».
فأين يمكن أن ندرج الحديث المرسل، أهو في الصحيح أم الحسن أم الضعيف،
ولا تشوش علينا بكونه ما اصطلح عليه المنذري " ما قاربهما ".
مع أن الحافظ هنا لم يخالف
اصطلاحه في حقيقة الأمر، لأنه ذكر المرسل من بين الأحاديث التي صدرها ب" عن
"، لذلك قلنا ـ وقال قبلنا الشيخ الألباني ـ أنه لا يعتمد على هذا التصدير في
التصحيح، لأنه ضمنه جملة من الأحاديث التي تندرج ضمن الضعيف، بل بعضها يشير إلى
ضعفه هو نفسه، كما ذكر في مقدمته.
السقطة السادسة:
قلت يا شيخ: ( ولا نقرؤه بمنظار رجل يخطئ ويصيب، فإنه مكتوب بكلام
عربي ميسور، ولا نحتاج لمن يعلمنا مبادئ العربية )
قال تلميذك : لا زلت لحد الآن لم تحرر محل النزاع، فالكل يدرك أن
المنذري يعني بكلامه في المقدمة بأنه يشير إلى الحديث بالصحة من خلال تصديره إياه
ب" عن "، مع أننا فهمنا من كلامه أيضا ما لم ترد فهمه، وهو أنه ضمن
الأحاديث المصدرة ب "عن " أنواعا من الروايات الضعيفة كالمرسل والمعضل
والمنقطع وغيرهم ...
لكن الألباني استدرك على المنذري التناقض بين التنظير والتطبيق،
فتأمل.
السقطة السابعة :
قلت يا شيخي: (لكنه تعمّد إخفاء نصّ لإمام مدرسته يوافقنا فيه على أن
المنذري يقصد تصحيح حديث فضائل القرآن، حيث قال في "سلسلة الأحاديث
الضعيفة" تحت رقم 6842: فالعجب من المنذري كيف حكى تصحيح الحاكم للحديث
وأقره، وصدره بقوله: "وعن".. المشعر بقوته عنده. )
ثم جعلت فهمك لهذا الكلام المبتور عن سابقه عمدة في الاستدراك علينا،
وأنى لك ذلك على من خبر كلام الألباني، وكاد يحيط باصطلاحه علما.
فقد وقع منك هنا أمر يدل على أحد الأشياء الثلاثة التالية:
الأول: تعمد البتر.
الثاني: التقصير في قراءة ما ورد من كلام قبله.
الثالث: سوء فهمك لكلام الشيخ يا شيخ!
وسأتبرع عليك مرة أخرى بنقل كلام الألباني للدلالة على ما قلته قبل
قليل:
قال رحمه الله 14 / 785 وما بعدها : « وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد، ولم يخرجاه بصالح بن عمر ". كذا وقع في " المستدرك "
المطبوع، وفي نقل المنذري عنه في " الترغيب " (2/ 210/25) :"تفرد
به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح ".
وكان يمكن القول أنه رواية بالمعنى؛ ولكني وجدت ابن الملقن قد نقله
كذلك في كتابه " مختصر استدراك الحافظ الذهبي على المستدرك " (1/ 470) ؛
فغلب على الظن أنه الصواب، وأن ما في (المطبوعة) من تحريف النساخ. والله أعلم».
فاعتبر الألباني أن جملة « :"تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح
"» كلها مما نقله عن الحاكم، إلا أن المنذري رحمه الله أخر الحكم الذي قدمه
الحاكم في مستدركه، والسياق يدل على أن " وهو صحيح " عطف على كلام
الحاكم، وإلا فالغالب في مثل هذه الأحوال أن يميزوا بين الكلام المنقول ورأي
المصنف بقولهم: ( قلت )، وهو ما لم يفعله المنذري هنا.
ثم استدل رحمه الله بما يؤيد رأيه من كلام الحاكم المنقول في مختصر
ابن الملقن.وهو استدلال قوي لا يشوش عليه أي استدراك، مع أنه يبقى في دائرة المظنون
الذي قد يخالف الشيخ فيه.
وأما قوله الذي نقلته أنت وبترت ما قبله : « فالعجب من المنذري كيف
حكى تصحيح الحاكم للحديث وأقره، وصدره بقوله: "وعن".. المشعر بقوته عنده
»، فيحمل على معنين:
ـ الأول: أن واو العطف هنا تفيد الاتصال والتعلق، فيكون إقراره للحاكم
وقع بتصديره له ب "عن".
ـ الثاني: إن كانت الواو للمغايرة، فيكون تقدير الكلام: « فالعجب من
المنذري كيف حكى تصحيح الحاكم للحديث وأقره ( أي على القول بأن " وهو
صحيح" من كلام المنذري )، وصدره بقوله: "وعن".. المشعر بقوته عنده
».
فيزول الإشكال، والحمد لله ربنا المنان الذي يمن علينا من العطايا ما
لم يعطه غيرنا من الفهم. { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}.
فإن لم ترض هذا التخريج مسلكا يا شيخنا، فكيف يمكنك أن توفق بين ما
نقلته أنت، وبين تصريح الألباني بأن تلك الجملة ليست من كلام المنذري.
ولا يفوتني أن أذكر بأن صنيعك هنا لا يخلو من أمرين: إما بتر وتدليس
متعمد، وإما تقصير وتكاسل وغفلة، فتخير لنفسك في ما يوافقك من هذه الأوصاف.
السقطة الثامنة:
قال أستاذي: ( فائدة حديثية:
إذا صدّر الحافظ المنذري حديثا بلفظ "عن"، فهو صحيح أو حسن
أو قريب منهما، أي ليس ضعيفا حسب اجتهاده بناء على المعطيات المتوفّرة لديه، وقد
يكون عند غيره ضعيفا أو موضوعا.
ويستثنى من ذلك كل حديث صدّره بتلك الصيغة، ثم صرّح عند التعليق عليه
بضعفه، وهذه هي الطريقة الوحيدة لرفع التعارض بين اصطلاحه وتطبيقه ) انتهى كلامك
يا شيخنا.
قال تلميذكم: ما الجديد في هذا التخريج والاستنتاج الذي توصلت إليه،
وقد سبقك المنذري بالتنصيص عليه، فقد قال رحمه الله في المقدمة 1 / 37 عن بعض
الأحاديث المرسلة أو المنقطعة أو ... التي فيها راو مختلف فيه ...: « ... ثم أشير
إلى إرساله وانقطاعه أو عضله أو ذلك الراوى المختلف فيه، فأقول رواه فلان في رواية
فلان أو من طريق فلان أو في إسناده فلان أو نحو هذه العبارة ولا أذكر ما قيل فيه
من جرح وتعديل خوفا من تكرار ما قيل فيه كلما ذكر...».
لكن ما لم تدركه، هو وجود إشكال كبير في التطبيق، قد يجعل التخريج
الذي ذكرتَه يا شيخنا غير مطرد، ذلك أنه عقب على أحاديث بقوله « في إسناده احتمال
التحسين» فصدر بعضها ب" عن " تارة، و ب "روي" تارة أخرى، مع
أنه قال في مقدمته: « وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع أو متهم أو
مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقط أو ليس بشيء أو ضعيف جدّا
أو ضعيف فقط أو لم أر فيه توثيقا بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين صدرته بلفظة:
روى، ولا أذكر ذلك الراوى ولا ما قيل فيه ألبتة فيكون للإسناد الضعيف دلالتان:
تصديره بلفظة: روى، وإهمال الكلام عليه في آخره ..».
وانظر الأمثلة من الترغيب ـ تحقيق عمارة ـ : 1/ 56 ـ 198 ـ 399 ـ
446. و 2 / 548. و 4 / 241 ـ 462.
كما أنه صدر أحاديث ب "عن" رغم أنه يقول في رواة بعضها: 1
/ 237: "لم أقف على ترجمته"، و 2 / 29: "ينظر سنده"، وقال في راويين
كل واحد منهما على حدة 2 / 99، و 2 / 535: " لا يحضرني فيه جرح ولا
تعديل"، وفي آخر 1 / 337: " لا يحضرني حاله"، ووصف عدة رواة بقوله
عن كل منهم 1 / 144 ـ 560 ـ 570 ، و2 / 358 ـ 379 ـ 454 ـ 495 ـ 585، و 4 / 507:
" لا أعرفه" ونحوها، كما وصف كلا من محمد بن سعيد المؤذن، وأبي عبد الله
البصري بقوله 1 / 403، و 2 / 137: " لا يدرى من هو ".
فهل بقي لمعترض مستند يستند عليه، أو معتضد يتكل عليه في رد قولنا
بعدم الركون إلى تصدير الحديث ب " عن "، بعد الذي سبق بيانه من تعارض
بين التنظير والتطبيق ؟، وهل الحديث الذي يقول فيه أحد الأئمة أنه لا يعرف أحد رواته
يمكن أن نلحقه بالصحيح أم الحسن أم الضعيف ؟ أم أنه هو الذي اصطلح عليه المنذري
رحمه الله بقوله : « ما قاربهما »؟، أم أنه استثناء أيضا، مثله مثل ما علق عليه
الحافظ وأشار إلى ضعفه ؟
·
خلاصة
الخلاصة حول اصطلاح المنذري:
وأيا كانت الطرق التي تسلك من أجل الوصول إلى فهم اصطلاح المنذري،
تبقى النتيجة المتوصل إليها واحدة، وهي أن هناك فرقا بين التنظير والتطبيق. فلم كل
هذا التشغيب يا أستاذ!.
كما أن مثل هذه المسائل تدخل في دائرة الظنون التي لا يمكن الجزم
فيها إلا بضرب من الجنون، حيث يقبل فيها الرأي والرأي الآخر، ولولا أن شيخي
"ابن الأزرق" جاء في استدراكه علي بالعجائب لما سودت هذه الورقات، لأن
القول هنا من فضول الكلام الذي لا يعود على الحكم على حديث الفضائل تصحيحا وتضعيفا
بأية فائدة.
·
خلاصة
أخطاء أستاذنا في هذا الدرس:
1 ـ اتهامه لي بالبتر والتدليس، وهو يعلم أن هذه التهمة بعيدة عني كل
البعد، لأنني لا يمكن أن أضمن مقالاتي إلا ما يعود عليها بالنفع، خاصة وأنني قد
أحلت إلى المصدر الذي أخذت منه ما نقلت، وليس من المنهج العلمي الرصين، ملء البحوث
بكثرة النقول.
2ـ عدم تحريره لمحل النزاع، لأننا نتحدث عن منهج المنذري في تصديره
للحديث ب "عن" وهو يستدرك علي عدم نقلي لكلام حول التصدير ب
"روي".
3 ـ تبين أن الجزء الذي حذفته من وسط كلام المنذري لا يضر بالمعنى
العام، فلا بأس أن أحذفه إذا قصد الاختصار.
4 ـ اتهمني بأنني عزوت كلام المنذري إلى صحيح الترغيب والترهيب،
والحال أنني لم أفعل ذلك، وهذا قصور وغفلة وتدليس وتلبيس وإفك وافتراء وتعمية ...
5 ـ نسبَ كلام الألباني عن منهج المنذري إلى مقدمة ضعيف الترغيب
والترهيب، والحال أن كلامه ذلك في صحيحه وليس ضعيفه، وهذا قصور وغفلة دون قصد منك
للتدليس والتلبيس ...
6 ـ عدم إحاطته بمناهج المؤلفين، حيث اعتبر إشارات الألباني لتناقض
المنذري تتعارض مع ما قرره في المقدمة من فهم منه لاصطلاح الحافظ.
7 ـ نسب للألباني قوله إن "عن" لا تفيد التقوية عند
المنذري والحال عكس ذلك.
8 ـ لم يحرر النقل عن الألباني حول تعليق المنذري على حديث الفضائل،
وبتر الكلام الذي قبله، والذي يبين بمجموعه أنه يعتبر قوله: "وهو صحيح"
من كلام الحاكم نفسه.
0 التعليقات: