إعلان أفقي

الاثنين، 25 يوليو 2016

إذابة الجليد في الرد على من رمى العلامة الددو بالجمود والتقليد

Posted by mounir  |  at  يوليو 25, 2016


ردا على مقال: (وقفة علمية مع الشيخ الددو حول عيسى عليه السلام ) لكاتبه: محمد ابن الأزرق الأنجري

ضمن سلسلة "الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية "محمد ابن الأزرق الأنجري" الجزء التاسع.


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد كتب "محمد ابن الأزرق الأنجري" مقالين حكم من خلالهما على الشيخ العلامة الفهامة فريد عصره وزمانه محمد الحسن ولد الددو بالجمود والتقليد من غير دليل أو برهان، وسنتطرق من خلال هذا البحث إلى المقال الأول منهما، والذي عنونه ب "وقفة علمية مع الشيخ الددو حول عيسى عليه السلام"، حيث ضرب فيه مثلا على تقليد الشيخ وجموده كلامه عن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
ورغم أن الأخ "ابن الأزرق" يمجد الشيخ الددو ـ فيما يبدو ـ، ويعلي من شأنه ومقامه، إلا أنه في حقيقة الأمر يمهد لإسقاط قيمته من أعين محبيه، مثله في ذلك كمثل من يرفع رجلا عاليا إلى السماء، ثم يرميه من فوق السحاب فيقع على رأسه في مكان سحيق.
فما فائدة أن يصف الشيخ بأنه (عالم متبحر، حافظ للمتون والأشعار، مستحضر للروايات والأخبار، لا شك في ذلك عند الموافق والمخالف....).
ثم ينعته بعد ذلك بقليل بقوله: (إنه متمسّك بالموروث الفقهي جامد عليه إلى أبعد حد.
وهو مستعد للطعن في عقائد الناس وإيمان الباحثين إذا خالفوا موروثه الذي يتمذهب به.
وهذا مثال واحد على جموده وتقليده وتقديسه الموروث المذهبي ).
بل ويختم بحثه بهذه النتيجة التي تسقط الشيخ الددو وتجعل منه لاشيء، حيث قال: ( فهل يشك باحث عاقل بعد الذي تقدم في أن الشيخ عالم لا علامة، جمّاعة للمعلومات لا مجتهد محقق؟ ).
هب أن الشيخ الددو قد أخطأ في هذه المسألة، فهل يكفي مثال واحد أو عشرة أمثلة أو أكثر لإثبات أن عالما ما مقلد وجامد ؟! إن هذا إلا محض افتراء ، فمن ذا الذي يسلم من الزلات والهنات قديما وحديثا، لكن أن نعمد إلى مسألة معينة ـ على فرض أن الشيخ قد أخطأ فيها وقلد ـ ثم نأتي بحكم عام قاس كهذا الحكم، فهذا ليس من العلمية في شيء.
أقول هذا مع أن الأستاذ "ابن الأزرق" لم يحرر محل النزاع جيدا، لذلك وقع في هذا الخلط الكبير، كما سيتبين من خلال المباحث التالية.
أولا: تحرير محل النزاع
وقع " ابن الأزرق" في مقاله المذكور في خطأ فاحش ترتب عليه تسويد عدة ورقات جعلت القارئ يحس بأنه وسط متاهة لا مدخل لها ولا مخرج، فمرة نجده يتحدث عن نزول عيسى عليه السلام، وأخرى عن موته قبل رفعه إلى السماء، وهما أمران مختلفان، وقضيتان منفصلتان، أولاهما متفق عليها بين أهل السنة بدلالة الكتاب وصريح السنة وإجماع سلف الأمة إلا ما شذ، والثانية مختلف فيها، فالأمر فيها واسع، والاختلاف وارد، وهو الشيء الذي غفل عنه "الأنجري"  كما سأبينه إن شاء الله.
ثانيا: الهدف من هذا الرد
ليس غرضنا من هذا الرد إبطال قول "ابن الأزرق" بموت عيسى عليه السلام قبل رفعه، أو الانتصار لقول الشيخ الددو الذي يقتضي حياته، فالمسألة فيها خلاف بين المفسرين، بل الهدف هو بيان التناقضات القاتلة التي يقع فيها " ابن الأزرق" في بعض مقالاته حيث يغيب عنه في أغلبها تحرير محل النزاع.
ومن أراد التبين في أمر دينه، فليطالع كتابي الشيخ العلامة أبو الفضل الغماري في الموضوع، واللذين سأذكرهما في ثنايا هذا البحث، فإنهما بمثابة سلاح دمار شامل، أتى فيهما على شبهات المخالف، حيث لم يدع منها لا أخضرا ولا يابسا،  فلله ذره من علامة فهامة محقق مدقق.
ثالثا: هل يكفر المخالف في المسألتين ؟
1 ـ نقل "ابن الأزرق" عن الشيخ أنه يكفر منكر نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وهذا صحيح عنه بلا شك ولا ريب، حيث قال ـ أي " ابن الأزرق" ـ : (سأله المنشّط عن رأيه في إنكار نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فانتصر لمذهب الجماهير مدّعيا أن روح الله رُفِع ولم يمت.
استفسره المنشط عن قوله تعالى ( إني متوفيك ) فقال ما مُضَمَّنه: متوفيك صيغة تفيد الاستقبال، ولو كان عيسى المسيح ميتا لقال الله تعالى: ( إني توفيتك ) الدالة على الماضي، فيكون حيا بنص القرآن، وبالتالي يَكفر منكر نزوله قبل القيامة لأنه مكذّب بكتاب الله ) اهـ.
لنا على هذا المقطع ملاحظتان اثنتان:
الأولى: حسب هذا النقل فإن الشيخ حصر التكفير فيمن ينكر نزوله عليه السلام في آخر الزمان، لا فيمن يرى موته قبل رفعه إلى السماء، وهذا أمر واضح جلي.
الثانية: لم يحرر النقل عن الشيخ، لأنه توقف عند : (لأنه مكذّب بكتاب الله ) وكان عليه أن يزيد ( وما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ). فتكفير منكر النزول مبني بالأساس على إنكار السنة المتواترة مع ما يعضدها من آيات تدل على هذه العقيدة، وليس اعتمادا على دلالة القرآن الكريم فقط، لأن الآيات الدالة على نزوله في الغالب ظنية الدلالة، ولا يعقل تكفير المخالف في الظنيات، لذلك جميع من ذكر هذا الحكم من السلف والخلف ربط ذلك بإنكار الأحاديث المتواترة الدالة على هذه الحقيقة القطعية، ثم أردفها بالآيات القرآنية الدالة على ذلك.
2 ـ ثم قال ـ الأنجري ـ في رده على تفسير الشيخ لقوله تعالى: { إني متوفيك } : (وعند تعدّد الاحتمالات، تكون الآية ظنية الدلالة، فلا ينكر على المخالف بله تكفيره أو تضليله.) اهـ.
وقال أيضا: (ولماذا يرفض أن يكون المستقبل من المرتبة الأولى أو الثانية الدالتين على وقوع الوفاة قبل بعثة نبينا محمد عليه السلام؟
أبمثل هذا التعبير المحتمل يكَفَّر الناس يا سادة ؟ ومن عالم يعتبر مثالا للوسطية والاعتدال؟ أم أنه الجمود والتعصب المذهبي المقيت يفعل فعله في الكبار ؟ ) اهـ.
قلت:
أولا: لم يلتزم الأستاذ الأنجري الدقة اللازمة في نقل كلام العلامة الددو، الشيء الذي جعله يضطرب في نسبة تكفير المخالف في تفسير قوله تعالى: { إني متوفيك }، وسأنقل في المحور القادم نص كلام الشيخ ومحاوره كي يتبين مقصوده من كلامه.
ثانيا: لم يستدل الددو بهذه الآية على نزول عيسى عليه السلام كما ظن "ابن الأزرق"، بل استدل بآيتين أخرتين، بالإضافة إلى ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما سأبين بعد قليل. لذلك بنى التكفير على إنكار الأحاديث الصحيحة المتواترة في ذلك كما بنت سابقا، وإن كان قدم الآيتين في الاستدلال على السنة، لشرف القرآن الكريم.
رابعا: فحوى كلام الددو حفظه الله
من خلال متابعة اللقاء المشار إليه، والذي اعتمد عليه "ابن الأزرق" في رمي الشيخ بالتقليد، نجد أن خطابه يتمحور حول نزول عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، ولا علاقة لما قاله برفع المسيح ابن مريم حيا أو ميتا، وإن كان الشيخ يرى أن عيسى عليه السلام قد رفع جسدا وروحا، وأنه لم يمت بعد، وهو أحد أقوال المفسرين في المسألة ( الجمهور )، وقد علمنا رأيه هذا من خلال لقاءات مرئية أخرى بالإضافة إلى تفريغ نصي تجده منشورا في موقعه الرسمي.
خامسا: نص كلام الشيخ الددو
قال المذيع: ( يقول ـ أي عدنان إبراهيم ـ إن عيسى ابن مريم هو توفاه الله، ولم يعني لم ...الذي يؤمن به أهل السنة بقضية أنه رفعه الله إليه وسيعود مرة ثانية، هو يقول لا لن يعود عيسى ابن مريم وهو مات مثله مثل الأنبياء "الثانيين" ).
فأجابه الشيخ قائلا: ( بالنسبة لهذا النوع إذا كان صاحبه من أهل العلم ونحو ذلك يكون قد ارتد لأنه كذب النصوص الصحيحة الصريحة، لكن إذا كان من غير أهل العلم، ومن الجهال والمتخبطين، فيمكن أن يلتمس له العذر في ذلك . )
ثم أخذ يستدل بآيات قرآنية تدل على نزوله عليه السلام في آخر الزمان، منها قوله تعالى: { وإنه لعلم للساعة }، حيث قال: ( وهذا دليل على أن نزول المسيح ابن مريم علَم للساعة، وفي قراءة أخرى : { علَم للساعة }، معناه شرط من أشراط الساعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواتر نزول المسيح ابن مريم حكما عدلا في آخر الزمان.
وأيضا في قوله تعالى: { ويتلوه شاهد منه })اهـ ... ثم قال: ( فهاتان آيتان في كتاب الله ومعهما عدد هائل من الأحاديث الصحيحة في نزول المسيح ابن مريم ) اهـ.
ثم شرع بعد ذلك في الرد على من استدل بقوله تعالى : { إني متوفيك } على أنه قد مات ولم ينزل، فيكون استدلاله بالآية تبعيا وليس أصليا، إذ رد من خلال تفسيره لها على من يعتقد أن وفاته تناقض نزوله مرة أخرى، والدليل على أنه لا يستدل بها أصالة قوله قبل الخوض في معناها: (فهاتان آيتان في كتاب الله ... في نزول المسيح ابن مريم )، يقصد بهما: { وإنه لعلم للساعة }، و { يتلوه شاهد منه }.
ولما سأله المذيع قائلا ـ ما معناه ـ : ( لكن لماذا لا نقول أنه اجتهاد، لماذا نقول أنه ردة كما تفضلت .. )
فأجاب الشيخ قائلا: ( لأن الآيات في هذا، آيتان من كتاب الله، والأحاديث كثيرة جدا، وأهل العلم من أهل السنة مجمعون عليه ... ) اهـ.
خلاصة كلام الشيخ:
من خلال ما تقدم يتبين أن الشيخ يستدل بآيتين من القرآن الكريم على نزول عيسى عليه السلام، ليس فيهما آية آل عمران { إني متوفيك }، هذا بالإضافة إلى ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار الدالة على ذلك.
وبالتالي يتبن خلط "ابن الأزرق" حينما نسب إليه التكفير استدلالا بآية آل عمران.
ملاحظة:
ذكر ابن الأزرق في نهاية بحثه ما اعتبره شبهات اعتمد عليها الددو في إثبات عقيدة أهل السنة في نزول المسيح عليه السلام، وفسر هذه الآيات بضرب من الكهانة والتعسف، الشيء الذي يدل على أنه على علم تام بالأدلة الأصلية التي اعتمدها الشيخ في تقرير نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان، فلماذا تمسك في بداية المقال بدعوى أن الشيخ يكفير المخالف استنادا إلى آية آل عمران: { إني متوفيك }.
سادسا: أقوال المفسرين في قوله تعالى: { إني متوفيك }.
اختلف المفسرون قديما وحديثا في تفسير قوله تعالى : { إني متوفيك } على عدة أقوال، أقواها:
1 ـ معنى الوفاة في اللغة القبض ... يقال توفيت من فلان مالي عليه أي: قبضته، وهذا القول ذهب إليه من يرى أنه رفع حيا.
2 ـ متوفيك أي مميتك وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز شرعا ولا عقلا تكفير المخالف في هذه المسألة، لورود خلاف قوي فيها، والشيخ لم يكفر من قال بموته، بل كفر من أنكر نزوله في آخر الزمان إن كان عالما، لا جاهلا أو متخبطا.
سابعا: أثر هذا التكفير في الواقع:
ليس لهذا النوع من التكفير أثر في حقيقة الأمر، لأنه يبقى نظريا لا يمكن تطبيقه في الواقع على المعين، لذلك لا يمكن القول إن منكر نزول عيسى عليه السلام مرتد، وعدنان إبراهيم أو غيره ينكر نزوله، إذن فهو كافر، فهذا لا يقول به أحد إلا إذا تظاهرت الأدلة الصريحة والواضحة على كفر صاحبها، ولا يصدر هذا الحكم إلا من طرف جمع من العلماء بعد إقامة الحجة على صاحبها، والدليل ما يلي:
ثامنا: هل كفر الشيخ الددو عدنان إبراهيم ؟
لم يكفر الشيخ الددو الدكتور عدنان إبراهيم بدليلين:
أولهما: أنه أنكر على من نعته بالزنديق، حين قال ردا على تساؤل المذيع عمن وصف عدنان بذلك: ( زنديق صعب جدا أن تحكم بها على إنسان لم تلقه مباشرة ولم تعرف شيئا عنه ... والزندقة معناها النفاق ... ) اهـ.
والثاني: أنه حصر التكفير فيمن كان من أهل العلم، واستثنى الجهال والمتخبطين، ولا شك أن عدنان إبراهيم أحد هذين الصنفين، فإنه إن لم يكن جاهلا، فهو متخبط يقينا.
وقد اعتذر العلامة أبو الفضل الغماري رحمه الله عن تكفير المعتزلة المنكرين لبعض الأحاديث المتواترة، بجهلهم بعلم الحديث، وذلك بعد أن قرر هو أيضا أن منكر عدم نزول عيسى عليه السلام كافر، كما سيأتي موثقا في ثنايا هذا البحث.
لكن مع ذلك يبقى إطلاق التكفير في مثل هذه القضايا أمر يستحسن تركه وتفاديه، لتغير الزمان وتبدل الظروف والأحوال، فالسلف حينما قرروا ذلك كان سيف العلم بتارا، وسوقه مزدهرة رائجة، وكلام العلماء مسموعا، أما في زمننا هذا الذي سيطر فيه الطيش على العقول، وصار البعض ينكر ما هو معلوما من الدين بالضرورة ـ كالحجاب، وتحريم الربا، وتحريم الذهب للرجال، والاختلاط في الشواطئ ... ـ، فلا يستحسن والله أعلم إطلاق ألفاظ التكفير هذه لأنها قد تفهم على غير مراد القائل منها.
تاسعا: محمد ابن الأزرق الأنجري والتكفير
تنبيه: تم حذف هذا المحور بعد أن احتج علينا الأستاذ ابن الأزرق بكلام له في المقال نفسه الذي فهمت منه  ـ خطأ ـ تسرعه في التكفير، تبين من خلاله مقصوده من كلامه هناك. والله الموفق.
عاشرا: تحقيق قول اليهود والنصارى في موت عيسى عليه السلام
كثيرا ما يعتمد الأستاذ ابن الأزرق في إنكاره على العلماء على دعوى أنهم قد التبس عليهم شيء من الإسرائيليات التي دخلت كتب المسلمين فأثرت في عقائدهم، وهي الشبهة نفسها التي بنى عليها الدكتور عدنان إبراهيم معظم خطبه، وقد كرر ـ أي ابن الزرق ـ هذه التهمة أيضا في مقاله هذا حيث قال في تفسير قوله تعالى: : ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ، إِذْ قَالَ اللَّهُ : يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ).
قال : ( المعنى الواضح بعيدا عن خرافات المفسرين الإسرائيلية:
عندما أراد اليهود قتل عيسى عليه السلام، أوحى الله إليه أنه سيتوفاه ويرفع بدنه الشريف تطهيرا له من قبيح فعلهم. ) اهـ.
قلت: التفاسير الإسرائيلية تتوافق مع قول من قال إنه توفاه حقيقة ... فأما اليهود فيعتقدون أنهم صلبوه وقتلوه حقيقة، وقد رد الله عليهم فريتهم هاته، وأما النصارى فقد اختلفوا في المدة التي قضاها ميتا بعد صلبه، فقرروا أنه توفي ثلاث ساعات ـ كما ذكر القرطبي وضعفه 4/100ـ، أو ثلاثة أيام، أو أنه توفي ليلة السبت ثم أحياه الله مرة أخرى صبيحة يوم الأحد على اختلاف بينهم في مدة موته، وقد ورد في إنجيل متى ( 12: 40 ): " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام ، وثلاث ليال ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال".
قال الشوكاني في كتابه: "إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات"، ص 58 : ( وهكذا ثبت في الأناجيل كلها أن الله سبحانه رفع عيسى عليه السلام بعد الصلب في زعمهم كما هو محرر هنالك  ) اهـ.
فمن وافق إذا النصارى في جزء من عقيدتهم، أ من قال بأنه لم يمت ؟، أم من قال: إنه مات ثم رفع ؟.
حادي عشر: هل العلامة الغماري رحمه الله جامد مقلد؟!:
ألف العلامة المحدث أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله كتابين في الرد على فتوى الشيخ محمد شلتوت رحمه الله في إنكار نزول عيسى عليه السلام، قرر فيهما القول برفع عيسى عليه السلام حيا بجسده من جهة، وأثبت تواتر الأحاديث الدالة على  نزول عيسى عليه السلام  من أكثر من وجه، وهذان الكتابان هما:
1 ـ كتاب: ( إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان )، أثبت من خلاله هذه العقيدة عبر واحد وستين رواية، وأردفها بمناقشة لألفاظ فتوى الشيخ شلتوت رحمه الله ص:  و110 وما بعدها، استدل فيها بآيات من القرآن الكريم تدل على رفعه حيا ونزوله في آخر الزمان.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب قدم له الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله، حيث وافق فيه ما ذهب إليه العلامة الغماري وأقره عليه، فهل هو أيضا جامد مقلد ؟!
تنبيه: حكم الشيخ الغماري أيضا على منكر عقيدة النزول بالكفر حيث قال في "إقامة البرهان " ص: 108: ( واعلم أن من أنكر نزول عيسى عليه السلام يوم القيامة فهو كافر ... لأنه أنكر ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ) اهـ. ونقل عن ابن تيمية تقييده ذلك بما إذا كان هذا الإنكار بعد العلم بالتواتر.
2 ـ كتاب: ( عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام )، حيث قرر فيه أيضا أن عيسى عليه السلام رفع ولم يمت، وأنه سيعود في آخر الزمان، واستدل على ذلك بالكثير من الآيات، والتي من بينها نفس الآيات التي استدل بها الشيخ الددو، فهل يتجرأ الأستاذ "ابن الأزرق" على نعت العلامة الغماري بالمقلد الجامد؟
أضف إلى ذلك أن الشيخ الغماري ذيل كتابه " عقيدة أهل الإسلام" ص: 131، بفتوى لمفتي الديار المصرية وشيخ مشايخها العلامة محمد بخيت المطيعي، ابتدأها الشيخ بتقرير أن عيسى عليه السلام رفع حيا، ثم استدل بنفس الآيات ـ وأكثر ـ على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ص: 159 وما بعدها. فهل هو أيضا جامد مقلد ؟!...
ثاني عشر: كلام نفيس للشيخ محمد متولي الشعراوي
قال الشيخ متولي الشعراوي في تفسيره 1 /  446ـ 447 : (وعندما يتحدث القرآن أنه رفع إلى السماء. . اختلف العلماء هل رفع إلى السماء حيا؟ أو مات ثم رفع إلى السماء؟ نقول: لو أننا عرفنا أنه رفع حيا أو مات فما الذي يتغير في منهجنا؟ لا شيء. . وعندما يقال إنه شيء عجيب أن يرفع إنسان إلى السماء، ويظل هذه الفترة ثم يموت. . نقول إن عيسى ابن مريم لم يتبرأ من الوفاة. . إنه سيتوفى كما يتوفى سائر البشر. . ولكن هل كان ميلاده طبيعيا؟ الإجابة لا. . إذن فلماذا تتعجب إذا كانت وفاته غير طبيعية؟ لقد خلق من أم بدون أب. . فإذا حدث أنه رفع إلى السماء حيا وسينزل إلى الأرض فما العجب في ذلك؟ ألم يصعد رسولنا صلى الله عليه وسلم  إلى السماء حيا؟ ثم نزل لنا بعد ذلك إلى الأرض حيا؟ لقد حدث هذا لمحمد عليه الصلاة والسلام . . إذن فالمبدأ موجود. . فلماذا تستبعد صعود عيسى ثم نزوله في آخر الزمان؟ والفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى هو أن محمدا لم يمكث طويلا في السماء، بينما عيسى بقى. . والخلاف على الفترة لا ينقض المبدأ.
عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم  حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد»
وهذا الحديث موجود في صحيح البخاري. ) اهـ.
تنبيه:
يمكن مشاهدة المقطع الذي يتحدث فيه الشيخ متولي الشعراوي عن وفاة عيسى عليه السلام على اليوتوب بإدخال العنوان التالي على شريط البحث: (وفاة سيدنا عيسى -عليه السلام - الشيخ الشعراوى )، فإنه أكثر بلاغة وحجة مما نقل في التفسير أعلاه.
خلاصات عامة:
من خلال ما تقدم بيانه وتفصيله، يمكن أن نستخلص ما يلي:
1ـ بعد " ابن الأزرق" عن التحقيق في النقل عن الشيخ الددو.
2 ـ بعده عن الإنصاف حين اتهم الشيخ بالجمود والتقليد لا لشيء إلا لأنه خالف فهمه ـ ومن سار على نفس الدرب قبله ـ في تفسير الآيات المتعلقة برفع عيسى أو موته صلى الله عليه وسلم.
3 ـ ما دامت مسألة موت عيسى عليه السلام من عدمه خلافية، فلا يجوز نعت المخالف فيها بالجمود، كما لا يجوز نعته بالكفر والردة.
4 ـ القول بجمود الشيخ الددو يستلزم رمي كل من وافقه الرأي بنفس التهمة، وهذا قول فاسد يقتضي الحكم على عدد هائل جدا من العلماء بالتقليد، ومنهم الشيخين العالمين: أبو الفضل الغماري والكوثري رحمهما الله، واللذان خاضا معركة طاحنة مع الشيخ محمد شلتوت رحمه الله في الموضوع. وقبلهم الإمام ابن جرير الطبري الذي قال في تفسيره 6 / 458: ( وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال:"معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ"، لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه ) اهـ.
5 ـ إن ما مارسه "ابن الأزرق" في مقاله هذا، هو نوع من الإرهاب الفكري الذي ظل يحذر منه هو نفسه في الكثير من كتاباته، لأن لسان حاله يقول: إما أن تفهم فهمي، وتذهب مذهبي، وإما أن تكون مقلدا جامدا. فأي إرهابي أعظم من هذا الإرهاب يا أستاذ؟!
5 ـ إذا كان الأستاذ "ابن الأزرق" ممن يسعون إلى جمع صفوف المسلمين تحت راية واحدة، وتصفية الدين من الإرهاب الفكري كما يقول دائما، فعليه أن يميز في القضايا التي يناقشها بين ما يسعه الخلاف وما لا يسعه، فأما ما كان من قبيل النوع الأول فلا يمكن نعت المخالف فيه بالتقليد والجمود، وإلا سنكون حينها مضطرين إلى قبول ما يرمينا به الطرف الآخر من تبديع وتسفيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


كتبه: منير المرود
خريج دار الحديث الحسنية


الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى