إعلان أفقي

الأحد، 1 سبتمبر 2013

حقيقة التقليد، وهل يقلد العامي العالم ؟

Posted by mounir  |  at  سبتمبر 01, 2013


أولا: صورة المسألة

اختلف العلماء في تعريف التقليد إلى عدة أقوال، تفرع عن بعضها الاختلاف في حكم قبول العامي قول المفتي من غير البحث عن الحجة والدليل.

ثانيا: تحرير محل النزاع

الخلاف هنا بين القاضي والإمام في نقطتين:
الأولى: في تعريف التقليد.
الثاني: إذا أفتى العالم العامي، فهل يصح أن يطلق على العامي أنه مقلد أم لا؟

ثالثا: تعريف التقليد لغة

التقليد في اللغة جعل الشيء في العنق من دابة أو غيرها محيطا به، ومنه التقليد في الدين[1].

رابعا: تعريف التقليد اصطلاحا

تعددت التعاريف التي وضعها العلماء للتقليد اصطلاحا، ومن ذلك:
أ – تعريف القاضي
قال القاضي في "التلخيص" مصرحا بالحد المختار عنده في تعريف التقليد: « التقليد هو اتباع من لم يقم باتباعه حجة، ولم يستند إلى علم»[2].
وأدرج تحت هذا الحد الأفعال والأقوال فإنه يشملهما التقليد معا، خلافا لمن اختصه بالقول وحده. وأنكر على من يدخل العامي في حده  لكونه مقلدا للمفتي، سواء منهم من عرفه بقوله: « إن التقليد قبول قول القائل بلا حجة». أو من حده بقوله: « إن التقليد هو قبول قول القائل مع الجهل بمأخذه »– أي بدليله في ذلك الحكم الذي قال به، أهو: الكتاب أم السنة أم الإجماع ... -. فالمعنيان يتحققان في المفتي، فقال رحمه الله - منكرا -: « والذي نختاره أن ذلك ليس بتقليد أصلا. فإن قول العالم حجة في حق المستفتي. إذ الرب تعالى وجل نصب قول العالم علما في حق العامي وأوجب عليه العمل به، كما أوجب على العالم العمل بموجب اجتهاده وعلمه »[3]. فالقاضي لا يرى العامي مقلدا لوجوب عمله بما أفتاه به المجتهد.
وممن ذهب إلى أن العامي في سؤاله للمفتي لا يسمى مقلدا: الغزالي[4]، والآمدي[5]، وابن الحاجب[6]. وإن كان تعريف هؤلاء الثلاثة مخالف للحد الذي وضعه القاضي للتقليد، ومع ذلك اتفقت كلمتهم على عدم جواز تسمية العامي مقلدا بالنسبة للمفتي.
وفيما يلي تعريف كل واحد منهما:
1 – تعريف الغزالي: «التقليد هو قبول قول بلا حجة »[7].
2 – تعريف الآمدي: « العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة»[8].
3 – تعريف ابن الحاجب: « التقليد: العمل بقول غيرك من غير حجة»[9].
ب – تعريف الإمام
لم يصرح الجويني في "البرهان" بالحد المختار عنده للتقليد، حيث حكى تعريفين اثنين ولم يرجح بينهما، وهما[10] :
1 – التقليد هو قبول قول الغير من غير حجة[11].
2 – التقليد قبول قول الغير، وأنت لا تدري من أين يقوله[12].
وقد ذكر نفس التعريفين في "الورقات"، لكن ظاهر كلامه هناك أنه يختار التعريف الأول، لأنه حكاه بصيغة الجزم، بينما ذكر الثاني قائلا: «ومنهم من قال ...» [13]. ثم تأكد لي بعد ذلك يقينا أن المختار عند الإمام هو التعريف الأول، فقد ذكره في "مغيث الخلق"[14] جازما به دون غيره.
وأيا كان التعريف الذي اختاره الإمام، فإنه قد خالف القاضي فيما ذهب إليه من عدم صحة تسمية العامي مقلدا، حيث قال بعد أن ذكر مذهب الباقلاني: « والمختار عندي على الضد والعكس، فإن الخلائق عندي في أفعالهم وعقائدهم مقلدون ...» [15].
وتسمية العامي مقلدا للمفتي فيما يأخذ منه هو قول معظم الأصوليين[16]، واختاره السبكي[17] وغيره.

خامسا: خلاصة القول في المسألة

يتلخص مما سبق بيانه أن الخلاف هنا ذو وجهين:
الوجه الأول: تعريف التقليد، وقد عرفت ما حده به كل واحد منهما.
الوجه الثاني: إذا أفتى المجتهد عاميا بحكم في نازلة، فهل يسمى هذا الأخير مقلدا، أم لا ؟ ، ففي المسألة قولان: قول القاضي ومن وافقه ممن رأيت أنه لا يصح أن يسمى ذلك تقليدا أصلا. و يقابله قول الإمام ومعه معظم الأصوليين في كونه مقلدا.


[1]  - أنظر لسان العرب 3/366-367، ومختار الصحاح ص: 548.
[2]  - التلخيص 3/425.
[3]  - التلخيص 3/426، وانظر البرهان 2/888.
[4]  - أنظر المستصفى 2/387.
[5]  - أنظر الإحكام للآمدي 4/269.
[6]  - أنظر المنتهى ص: 218.
[7]  - المستصفى 2/387.
[8]  - الإحكام للآمدي 4/269.
[9]  - المنتهى ص: 218.
[10]  - أنظر البرهان 2/888.
[11]  - أي لا يكون قوله حجة عليك كالأخبار، وأقوال الصحابة عند من يراها حجة.
[12]  - أي لا تعرف دليله في الحكم.
[13]  - أنظر الورقات ص: 35.
[14]  - أنظر مغيث الخلق ص: 77.
[15]  - البرهان 2/888.
[16]  - أنظر الإبهاج 3/270، والبحر المحيط 6/274، والتحبير 8/4016.
[17]  - أنظر رفع الحاجب 4/581.

شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

0 التعليقات:

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى