إعلان أفقي

الاثنين، 22 أبريل 2013

زفرات الأقلام في رد مغالطات عبد الرحيم العلام

Posted by mounir  |  at  أبريل 22, 2013

لقد أثيرت في الأيام الأخيرة زوبعة إعلامية كبيرة على ما سمي بفتوى «قتل المرتد »، وسالت فيها أقلام العديد من الكتاب والحقوقيين والعلماء والدعاة والمفكرين، سواء عن علم وصدق نية أو عن جهل ونوايا خفية تتربص بالإسلام وأهله.
وبما أن صديقنا عبد الرحيم قد دعى معارضيه إلى انتقاده بطريقة علمية دون تجريح فإنني سأحاول أن أسلك معه هذه الطريق التي لم يلتزم بها هو نفسه، فمباشرة بعد هذه الدعوة نجده ينتقد معارضيه المتوقعين ويصفهم بأوصاف لاذعة حيث قال: «من لديه أي اعتراض أو تعقيب على ما نتناوله في هذه الدراسة، أن يسلك المسلك العلمي للتعبير عن اعتراضه وأن يرد على الحجة بأختها ويتجنب الشخصنة أو العبارات المكررة من قبيل «الإسلام قوي ولا تقووا على هزيمته». لأننا نعلم أن الإسلام قوي ولن يقوى المبتدعة والعرافون ووعاظ السلاطين وحفاظ المتون ودارسوا الهوامش ومقلدو السلف أن ينالوا منه. فمن قل علمه أذعن وطاع واتبع وقلد، ومن توفر لديه بعض العلم طرح الأسئلة وحاول الفهم قبل الممارسة». فمن كان هذا أسلوبه كيف يطالب خصومه بعدم الرد بالمثل وقد قال تعالى : { وإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به }.
إن أول ما سأبتدئ به ردي هذا هو آخر ما انتهى إليه صديقنا عبد الرحيم حيث إنه عرف نفسه بكونه « باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية »، وقد كفانا بهذا مؤونة الحديث عن التخصص وصنف نفسه دون أن نصنفه فمن كان هذا حاله كيف له الكتابة في الفقه والفتوى والحديث والسند والمتن وقد قيل قديما: من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب، فماذا لو كانت القضية المطروحة طبية أو فيزيائية أو جيولوجية فإنني متأكد بأن الرجل سيرفع يديه ويعطي القلم إلى أهل الاختصاص، ولو أن الموضوع ينتمي إلى حقل السياسة والقانون فتحدث عنه أحد الدعاة أو الفقهاء وأدلى فيه بدلوه لتناثرت الأقلام من هنا وهناك تنكر عليه كلامه فيما لا يحسن، أما وإن الموضوع ينتمي للحقل الديني والفقهي فإنه مرتع من لا مرتع له، وموطن تبيض فيه أقلام من هب ودب بل وتفرخ أفكارا وأقوالا لا يعرفها الإنس ولا الجن، وهذا حال أخينا صاحب الموضوع وما ذلك إلا لأن حرمة العلوم الشرعية قد انتهكت وليس لها من حرس إلا ما أودعه الله في قلوب بعض الغيورين على هذا الدين، الذين يردون ويفندون وينقضون هذه الأباطيل من أساسها.
وبعد هذه المقدمة السريعة وجب علي كباحث أكاديمي أن أبين منهج الرد في هذا المقال حيث سأعمل على الإتيان بأقواله وتناقضاته ومغالطاته التي أتى بها هدانا الله وإياه ثم سأبين موضع الخطإ فيها، فأقول مستعينا بالله :
1 – قال : «الموضوع ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية وهو الحقل الذي أنتمي إليه»: وسأكتفي في الرد هنا بوضع تعريف مبسط للعلوم الإنسانية ليعلم القارئ مدى اندراج الفقه في هذه العلوم من عدمه ، حيث تعرف بكونها :"مجموع العلوم التي تتناول الإنسان بمنهجية موضوعية ، كل علم تخصص في دراسة بُعْدٍ من أبعاده : فعلم النفس اهتم بدراسة العمليات العقلية و الوجدانية ؛ و علم الاجتماع تناول العلاقات و المؤسسات اجتماعية المؤطرة لسلوك الإنسان . أما علم التاريخ فعالج تأثير أحداث الماضي في حياة الإنسان", ولن أطيل في هذه الجزئيات لكن البحث العلمي الرصين يقتضي منا التأني  في استعمال المصطلحات لكي لا نمرر مغالطات هي من بنات أفكارنا لم يسبقنا إليها أحد من العالمين، ثم إن كلمة إنسانية تقتضي مشاركة جميع الناس على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم في صياغة علم معين كما هو الشأن بالنسبة للسياسة والأدب والفن والفلسفة والقانون وعلم  النفس والاجتماع وغيرها من العلوم، أما الفقه الإسلامي فقد نشأ وظهر وترعرع تحت ظل الدولة الإسلامية ولا يمكن بحال من الأحوال نسبته إلى العالمية لأن المسلمين هم من ابتكروه .وإلا سيكون بإمكان غير المسلمين إبداء الرأي فيه وتحقيق مناطات أحكامه ولما لاتنزيل الفتاوى الشرعية...
فالرجل يدعي أنه باحث أكاديمي، ومن كان هذا حاله لا يحسن به استعمال المصطلحات بدون تدبر وروية.
2 – وقال صاحبي : « فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى باحثين عن دليل واحد يتعلق بحد الردة لم نجد أي دليل صريح أو حتى بالإشارة إلى هذه المسألة،»
سأجيبه بإشكال مماثل حيث سأقوم فقط بعملية التعويض فأقول: فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى باحثين عن دليل واحد يتعلق بعدد الصلوات وأوصافها وأوقاتها وما يقال فيها – وكذا غيرها من الأمور والقضايا المجملة في القرآن والمفصلة في السنة – لم نجد أي دليل صريح أو حتى بالإشارة على هذه المسائل... وعليه فإن هذه الدعوى منقوضة من أساسها ولا يقول بها عاقل لأنها تحمل بين طياتها إسقاط التكاليف الشرعية بالكلية، فإن قال قائل أو اعترض معترض بكون هذه العبادات من صلاة أو حج أو زكاة أو غيرها قد نقلت إلينا جيلا عن جيل، قلنا: نحن لا نعبد الله بالتقليد بل نعبده بالدليل والبرهان، وهذا ما تعبدنا به ربنا سبحانه وتعالى، ثم إن الله سبحانه قد أرشدنا إلى اتباع الله ورسوله والآيات في ذلك كثيرة  لن اطيل في سردها وإنما سأشير إلى بعضها ومن أرادها نظر في بطون كتب أصول الفقه فإنها حبلى بالأدلة على صدق ما أدعيه، ومن ذلك قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وقوله عزوجل: { وإن تناززعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر } ، { وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم... الآية }، فالرد إلى الله رد إلى القرآن والرد إلى الرسول رد إلى السنة ونحن مطالبون بنص القرآن باتباع سنة سيد الآنام.
ثم إنني أأكد بعد ذلك على أن هذا الحد قد وردت الإشارة إليه في القرآن وذلك في قوله تعالى: { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } التوبة الآية 74.
فهذه الآية كما هو ظاهر من خلال سياقها تتحدث عن الردة والكفر بعد الإسلام والإيمان، والآثار المترتبة على هذا الفعل المستقبح شرعا سواء في الدنيا أو الآخرة، مما جعل الكثير من المفسرين يستنبطون من هذه الآية حكم المرتد وذلك أن الله عز وجل ذكر نوعين من العذاب يلحقان بمن كان هذا حاله، أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة، والذي يعنينا الآن هو عذاب الدنيا في قوله تعالى: { وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا }، فدل ذلك على أن المقصود بهذا العذاب هو القتل، قال ابن كثير مبينا هذا المعنى: «وإن يستمروا على طريقتهم يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا أي بالقتل والهم والغم ...» 4 – 108، وانظر البحر المحيط: 5- 74، و الطبري 14 – 369، والقرطبي 8 – 133،  والجلالين ص: 199 :
فبعد كلام أئمة التفسير وأساطين القرآن ودلالة الآية على عقوبة المرتد الدنيوية ليس لنا إلا أن نقر بورود هذه العقوبة في القرآن الكريم على وجه الإجمال - كعادة القرآن في بيان الكثير من الأحكام الشرعية الهامة - حيث بينتها سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.
3 – ثم قال صاحب المقال: « ولم نجد واقعة واحدة من وقائع عصر النبوّة تشير إلى ما يمكن أن يقوم دليلاً على قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيق عقوبة دنيويّة ضدّ من يغيّرون دينهم، مع ثبوت ردّة عناصر كثيرة عن الإسلام في عهده ومعرفة رسول الله بهم ».
 الجواب من وجهين: أحدهما: أن حد الردة ثابت بالسنة الفعلية للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث دلت الأحاديث على وقوعه في زمنه بعلمه وأمره صلى الله عليه وسلم، وليراجع في ذلك بحث سابق لكاتب هذه السطور بعنوان: "الدليل على قتل المرتد من القرآن والسنة الفعلية للنبي العدنان"
والثاني: لنفترض جدلا أن حد الردة  لم يطبق فعلا في عهده صلى الله عليه وسلم، فنقول: إنه لم يكن يقتل المنافقين والمرتدين - وإن كان قتلهم جائزا - خشية أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه, كما بينه صلى الله عليه وسلم, فكان في ترك قتلهم مصلحة تأليف الناس على الإسلام، ونص الواقعة صريحة في أن حد الردة كان معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يطبقه لمصلحة راجحة، « حيث إنه صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة قام رجل من بني تميم فقال: اعدل يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل»، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: «معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه»، والحديث رواه احمد واصله في صحيح البخاري، وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا حين بلغه قول عبد الله بن أبي بن سلول :"والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل"، فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"(صحيح الترمذي)، فكل من لديه فهم بسيط بسياق الكلام ولحاقه يعلم أن قتل المرتد كان حكما معلوما لدى الصحابة وإلا لما تجرأ عمر رضي الله عنه على قتل آحاد المسلمين من تلقاء نفسه، ولما أقره النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ في كلتا الحالتين ولم ينكر عليه، والعلة دائما واحدة : « لكي لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ». ولو كان هذا الاعتراض صائبا لقلنا بعدم قتل الخائن الذي يفشي أسرار الدولة إلى الأعداء كما حصل مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه والقصة بكاملها في صحيح البخاري (3007،4272،4890،6259 ) ومسلم (4550) فلتراجع.
وللفائدة فقط أنقل هنا كلام الإمام ابن العربي المالكي حيث إنه فض هذا المشكل ونزع الغشاوة عن عين كل مشكك فقال: " في أحكام القرآن (1/21-22): « والحكم المستفاد هاهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم .        ... واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : أنه لم يقتلهم ؛ لأنه لم يعلم حالهم سواه ، وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام هل يحكم بعلمه أم لا ؟ .الثاني : أنه لم يقتلهم لمصلحة وتألف القلوب عليه لئلا تنفر عنه .وقد أشار هو صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى ، فقال : " أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه"» .
ثم إن عامة من ارتدوا أو نافقوا في عهده صلى الله عليه وسلم لم يظهروا الكفر والردة بل كان في أقوالهم وأفعالهم ما يدل على ذلك، بينما كانوا يظهرون الإسلام ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن فينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحلفون بالله أنهم ما قالوها أو لا يحلفون وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد واستثقالهم للزكاة وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله وعامتهم يعرفون في لحن القول ... – مقتطف من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بالمعنى – وهذا حال كثير من كتاب ومفكري هذا الزمان وتنطبق عليهم هذه الأدلة لا عن الذين يرتدون ويعلنون كفرهم وتبديلهم لدين الإسلام صراحة دون أي مواراة، فهؤلاء وأمثالهم لم يقل أحد بقتلهم ردة بل إنهم يعاملون معاملة أهل الإسلام في الظاهر.
4 – ثم أضاف صديقنا الكريم: « لكن الفقهاء عندما يواجهون بهذه الأدلة، تجدهم يهرعون نحو المرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا بالقرآن ولا بالسنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس».
لاشك أنه قد أساء الأدب هنا مع الفقهاء وهو الذي يطالب منتقديه بالعلمية والموضوعية، ثم إنه قد أتى في كلامه هذا بمجموعة من المغالطات التي سبق نسفها من أصولها في الرد رقم 3، بل إنه يعود بعد أسطر ليناقض نفسه قائلا: « ولأن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن» وهل يكون البيان حال الإجمال إلا بالإضافة والزيادة والتفصيل فتأمل.
5 _ حديث : «لا يحل دم امرء مسلم....» قال عنه : « والذي يعتبر من آحاد الأحاديث التي لا يحق الاستناد عليها في تقرير حكم القتل، لأن القتل أمر خطير ويلزمه دليل يقيني غير ظني »، فليث شعري من أين أتى بهذه الترهات، وما دليله على هذه القاعدة، وهل هناك أعظم من الصلاة والصيام والزكاة والحج وبيان بعض أمور التوحيد والشرك ومع ذلك لا نجد ذكرا لها بدليل قطعي – أي متواتر – بل إن الإسلام جاء به رجل واحد عن طريق ملك واحد وهو أمر خطير ومع ذلك قامت به الحجة على الخلائق، فالعبرة إذن في صدق الخبر لا  في عدد نقلته.
ثم قال مسترسلا: { فضلا عن انه مرتبط بـ «ترك الجماعة» مما يعني ان القتل هنا غير مرتبط بالارتداد بقدر ارتباطه بترك الجماعة / الدولة ومناصبتها العداء والتعاون مع العدو، وهو ما يسمى في عصرنا بالخيانة العظمى}،
وهنا سأضع رحلي وأربط فرسي محاولا أن أستسيغ مدى جرأة هؤلاء القوم على نصوص الوحيين دونما استعمال أو فهم لقواعد اللغة العربية، فنحن إذا ما أردنا فهم نصوص القرآن والسنة لابد لنا من معرفة بهذه اللغة وبما أن صاحبنا ذو مرجعية إنسانية قانونية فقد نسي بعض أبسط قواعد اللغة والإعراب.
فالتارك: تعرب بدلا من ثلاث، ولدينه: جار ومجرور متعلق بالتارك، والمفارق: نعت أوصفة للتارك. والصّفةُ هي : تابعٌ يُذكرُ بعدَ اسمٍ لبيانِ صفتِه أو تمييزِه عن غيرِه وهي – أي الصفة - تفيد توضيح الاسم الذي قبلها إن كان معرفة وتخصيصه إن كان نكرة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يصف وينعت التارك لدينه بكونه مفارقا لجماعة المسلمين، فكل من ارتد وترك دينه يصح وصفه بكونه مفارقا للجماعة. فإن كان القتل متعلقا بالردة فقد وجب، وإن كان خاصا بمفارقة الجماعة فقد انطبق عليه الوصف وحق عليه القول.
6 – ثم شرع في الكلام عن حديث من بدل دينه فاقتلوه، فقال: « وكعادة الأحاديث فإنّ حديثنا هذا مبتور من سياقه التاريخيّ ... ونرى هذا البتر واضحاً في استخدام المبنيّ للمجهول (أتي بقوم). فنحن لا نعرف في أيّ عام حصل الحادث، ولا من قبض على الزنادقة وسلّمهم لعليّ، ولا أين حصل القبض عليهم »، ثم بدأ بطرح مجموعة من الأسئلة المتناثرة هنا وهناك، الغرض منها تشتيت فهم القارئ وإيهامه بمدى النضج الفكري والقدرة على التأمل لدى صاحب المقال، جلها إن لم تكن كلها لا تخدم موضوع البحث، فما شأننا نحن بمن هم  هؤلاء القوم، بال الشأن كل الشأن أن نعلم صفتهم وسبب عقوبتهم، فلم نسمع يوما أن أحدا طالب بالتعريف بالأشخاص الذين تجرى عليهم التجارب في المختبرات فالمهم هو صفتهم ونوعية مرضهم والدواء الموصوف لهم، وما سمعنا بهذا النوع من النقد الغير بناء إلا في العصور المتأخرة، ثم ما الفائدة من ذكر تفاصيل القصة ومكان القبض والمسؤول عنه بل كل ما يهمنا نحن وقوعه وتطبيق نوع من أنواع العقوبة على هؤلاء الزنادقة.
7 – ثم أضاف صاحبنا قائلا: « راويه عن الرسول هو عبد الله ابن عباس وأن من روى عن ابن عباس هو خادمه عكرمة المتهم بالكذب من قبل مجموعة من المهتمين بالحديث ...»، فهاهنا الكثير من المغالطات، حيث أوهم صاحب المقال بصنيعه هذا أن في الحديث علتان هما: ابن عباس وعكرمة، مع العلم أن ابن عباس صحابي جليل يغني ذكره عن التعريف به وترجمته.
وأما عكرمة فقد ضعف حديثه بعض العلماء وصححه الجمهور، ولا يتسع هذا المقال لبسط أقوالهم وآرائهم فيه والتي يستشف منها قبول حديثه واحتجاج عامة أهل هذا الفن به.
ثم إننا قد كفينا مؤونة البحث والإطالة في بيان حال عكرمة رحمه الله حيث إن هذا الحديث قد روي من طرق أخرى غير طريق عكرمة فقد رواه النسائى في المجتبى (3494) ، (4049) ومسند احمد من زوائد ابنه عبد الله 2968 والسنن الكبرى للبيهقى 16637 و والطبراني في الكبير حديث رقم (10638)، وغيرهم من طريق هشام الدستوائى عن قتادة عن أنس عن ابن عباس به ، بل رواه الطبراني عن أبي هريرة (8/ 275)، رقم (8623). ، ومالك عن زيد بن أسلم بسند صحيح { الموطأ رقم 1419 }، وبذلك تسقط شبهة ضعف الحديث بعكرمة.
8 – ثم يخلص الكاتب بعد ذلك إلى مجموعة من النتائج التي لا أساس لها من الصحة مستنتجا أن هذه الأحاديث كلها وضعت لأسباب سياسية وفقهية وحديثية في جملة من الخلاصات التي لا خطام لها ولا زمام تعاف أناملي الرد عليها، فلكل الحق في أن يستنتج ما شاء وكيفما شاء ما دامت حمى الله ليس عليها حراس يدودون عنها.
وفي الختام لابد من أن أبين أنه لا يوجد تعارض بين هذه الأحاديث وبين قوله تعالى: {‏لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة‏:‏ آية 256‏]‏ وقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ‏}‏ ‏[‏سورة يونس‏:‏ آية 99‏]‏ فالآيات موضوعها الدخول إلى الإسلام، والأحاديث تتحدث عن الخروج منه وتغييره وتبديله ولا شك أن البون شاسع بين الأمرين، ولم يقل أحد من المسلمين بإكراه الناس على الدخول في الإسلام، فلابد إذن من تحرير محل النزاع في المسألة.
ثم إن هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان المنافحين عنها في مواجهة دين رب العالمين لا يعلمون أن دين الله هو الدين الوحيد الحق في هذا الكون وبالتالي فإنه قد حافظ على حقوق الإنسان أكثر من غيره من الأنظمة الدنيوية، إلا أن الإشكال هو في فهم هؤلاء لمعنى حقوق الإنسان حيث يحصرونها في كل ما من شأنه الانسلاخ عن الهوية الإسلامية، فهم لا يفرقون بين حقوق الإنسان عند الغرب وعند المسلمين، ولا يميزون بين مفهوم الحرية عندهم وعندنا، فإذا كانت القاعدة الوحيدة التي تحد الحرية عند فلاسفة الغرب هي تجاوز أو مس حرية الآخرين، فإن النظرية الإسلامية تتميز عن غيرها بإضافة قيد آخر  وهو أن حريتك تنتهي عند تجاوز حدود الله وشريعته، كما تنتهي عند انتهاك حريات الآخرين، وإن من أعظم حرمات الله دينه الذي ارتضاه لعباده .
بقلم: منير المرود

شارك المقال:
الكاتب

اسم الكاتب هنا ..

هناك تعليق واحد:

  1. أولا العذاب ليس هو القتل ألم تسمع بقول سليمان في القرءان عن الهدهد لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه فدل ذلك على أن العذاب شيء والقتل شيء آخر أي أن العذاب يكون مع ابقاء الحياة فالموت ليس عذابا إذ لا يتعذب الميت وعليه فإن غاية دليلك القرءاني على العقوبة الدنيوية للمرتد هي جزاء خلاف القتل أي دون القتل في أسوأ الأحوال والله تعالى هو الذي يتولاه بالهم والغم الذي أشرت إليه وليس ذلك لولي الأمر فذاك ليس في مقدوره، فلا تفتي في الناس يا أخي من غير علم حتى بمعاني المفردات القرءانية فالقرءان دقيق في أسلوبه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تماماً كما فرق بين الموت الطبيعي حتف الأنف والقتل أي الموت قتلاً كما ورد بشأن نبيه ( فإن مات أو قتل) ولا يصح أن ننسب للقرءان معنى يسخر منه ذوو الألباب فكل فطن يقول لك كيف تعذب الشخص وقد قتلته وكما يقول المثل الشاة لا يضيرها السلخ بعد الذبح - وإذا كان هذا دليلك القرءاني قد انهار بسوء فهمك له فقد انهارت حجتك بكاملها ولا يغني عن ذلك التحجج بأحاديث الآحاد ظنية الدلالة بطبيعتها لورود الخطأ والنسيان والغفلة على الواحد وهذا الحديث بالذات مشكوك في نسبته لابن عباس من تلمئذه عكرمة المعروف عند أهل الحديث بالكذب والتدليس - ولا بالأحاديث التي تروي بعض حالات القتل للردة في حياته (ص) فهي ضعيفة بإقرارك ولا يجوز لك الخروج على التعريف الفقهي للحدود بأنها جرائم قطعية نص القرءان على تعريف فعلها كما نص على عقوبتها نوعاً ومقداراً فسميت حدوداً فكيف ترجع بنا إلى البحث عنها وتعريفها بالأدلة الظنية مما يروى من روايات؟؟ والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

    ردحذف

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الرجوع للأعلى